ما بعد المعركة بين الحروب — شؤون عسكرية وأمنية

ما بعد المعركة بين الحروب

ما-بعد-المعركة-بين-الحروب

قال المحلل العسكري الإسرائيلي، "ألون بن دافيد في مقال له في صحيفة "معاريف"، من اسبوع لأسبوع تتحول المعركة التي تجري بين اسرائيل وإيران من حرب سرية، غير مباشرة وباردة الى معركة مباشرة، علنية وحارة أكثر فأكثر.  على مدى السنين كان دارجا في اسرائيل الافتراض بان إيران ستفضل دوما العمل من اراض اخرى، مثل سوريا، العراق او اليمين، ولكن احداث الاشهر الاخيرة ترفع الى السطح مسألة هل باتت إيران ناضجة للتجرؤ والعمل ضد اسرائيل مباشرة من اراضيها.

منذ أكثر من ثلاثة عقود تثبت في الاستخبارات الاسرائيلية فكر يقضي بان الحرب الايرانية العراقية الطويلة (1980 – 1988) خطت الى الابد صدمة في الوعي الايراني ورغبة في الامتناع عن مواجهات مباشرة. فالصواريخ العراقية التي كانت تسقط كل يوم على طهران فتهرب ملايين الايرانيين الى المدن البعيدة، خلفت ندبة عميقة في الذاكرة الوطنية ودفعت الايرانيين لان يتبنوا مفهوما امنيا يعتمد على الحرب بواسطة مبعوثين كي لا يكشفوا مرة اخرى مدنهم المركزية لعمليات الرد من العدو.

ومنذئذ بنت إيران بعناية شبكة من الميليشيات والمنظمات في كل المنطقة، من حزب الله في لبنان، عبر الميليشيات الشيعية في العراق وفي سوريا وحتى الحوثيين في اليمن ليشكلوا الذراع الطويلة لها للعمل ضد اسرائيل، الولايات المتحدة او كل عدو آخر. علي خامينئي، الذي شغل منصب رئيس إيران في سنوات الحرب مع العراق، حرص على أن يبقي في سنوات حكمه الطويلة كالزعيم الاعلى على سياسة حذرة في استخدام القوة، التي تتطلع الى الامتناع عن المواجهة المباشرة مع دولة اخرى.

ولكن شيئا ما تغير في السنتين الاخيرتين: هجمة الطائرات المسيرة على منشآت النفط لارامكو في السعودية (ايلول 2019)، هجمة الصواريخ على القاعدة الامريكية في عين الاسد (كانون الثاني 2020) ونار الصواريخ على سفينة بملكية اسرائيلية جزئية (اذار 2021) – أطلقت كلها من الاراضي الايرانية. بأسلوب الادارة المليء من جانب خاميئني من الصعب ان نضع الاصبع على أمر واضح صدر لتغيير السياسة. ولكن واضح أن رجال الحرس الثوري يفسرون في السنوات الاخيرة اقواله كتغيير في روح القائد.  

في الجيش الاسرائيلي اجملوا مؤخرا اعمال الحرب بين الحروب تجاه إيران براحة كبيرة. فمقابل أكثر من 100 عملية اسرائيلية ناجحة في السنتين الاخيرتين – وجد الايرانيون صعوبة في ان ينفذوا ردودا ونجحوا جزئيا فقط في حالات قليلة: الضربة لسفينتين بملكية اسرائيلية وهجمات سايبر غير متطورة وعديمة المعنى على بنى تحتية ومواقع اسرائيلية.

رغم سلسلة النجاحات في الاعمال الاسرائيلية: من الجو، في البحر وفي عمليات سرية في البر – الانجاز الشامل للحرب بين الحروب محدود. فقد نجحت بالفعل في أن تبعد الايرانيين عن الحدود في الجولان ودحرتهم شرقا، ومنعت غير قليل من نقل وسائل القتال الى سوريا والى لبنان. وحسب التقارير، مست أيضا بالتمويل الذي حولته إيران الى حزب الله بواسطة ناقلات النفط. ولكن واضح ان الحرب بين الحروب وحدها لن تتمكن من اخراج الايرانيين من سوريا – هذا سيكون ممكنا تحقيقه فقط بخطوة سياسية لتوافق امريكي – روسي.

كما ان الحرب بين الحروب لا توقف مشروع دقة الصواريخ لحزب الله، الجهد لتطوير قدرة تركيب وانتاج صواريخ دقيقة على الاراضي اللبنانية. لقد نشر انه في العملية الاخيرة التي نسبت لإسرائيل في الشهر الماضي ضد السفينة الايرانية شهر اكورد في البحر المتوسط اصيبت خلاطة وقود صلبة للصواريخ، مثل الخلاطة التي اصيبت بحوامات متفجرة في بيروت قبل نحو سنتين. مثل هذه العمليات يمكنها أن تؤخر مشروع الدقة، ولكنها لا توقفه.

على كفة الانجازات يحصي الجيش الاسرائيلي ايضا تحسن الردع. فتهديدات واضحة نقلت الى الحوثيين في اليمن منعت حتى الان فقدان طائرات مسيرة وصواريخ جوالة نصبت هناك ضد اسرائيل. كما أن نصر الله رفع الى الرف حاليا مخططاته للانتقام لموت لبناني في سوريا في الصيف الماضي. ولكن النجاحات الاسرائيلية لم تسحق التصميم الايراني على الرد على سلسلة العمليات التي يعزونها لإسرائيل، وعلى رأسها تصفية رئيس البرنامج النووي محسن فخري زادة.

من غير المستبعد ان تكون إيران تتطلع الى أن تشن على اسرائيل هجمة مشابهة لتلك التي اسقطت منشآت النفط السعودية – وابل من الطائرات المسيرة والصواريخ الجوالة بضربة واحدة شلت نصف انتاج النفط لكبرى الشركات ارامكو. وهم يحاولون بلا انقطاع مراكمة قدرات كهذه في سوريا، في العراق وفي اليمن ايضا، ولكنهم يجدون صعوبة في استخدامها. وحدد رئيس الاركان افيف كوخافي احباط هذه القدرات، للصواريخ الجوالة والطائرات المسيرة، في رأس سلم اولويات الجيش الاسرائيلي.

في اسرائيل، ينبغي أن يفترضوا بان فشل إيران في تنفيذ هجوم كهذا من احدى المناطق المجاورة لنا، كفيل بان يدفعهم للعمل مباشرة من اراضيهم. فالتنسيق الوثيق مع القوات الامريكية في العراق وفي الخليج، اضافة الى الشراكات الاسرائيلية الجديدة في العالم العربي يمكنها أن تساعد في احباط مثل هذا الهجوم. ولكن سيناريو تبادل الضربات مباشرة بين اسرائيل وبين إيران، والتي بدت في الماضي شبه خيالية يصبح مؤخرا سيناريو احتمالات تحققه آخذة في الازدياد.