أحمد العجوز يكتب: عناصر الاستخبارات في السنة النبوية وتطبيقاتها المعاصرة — شؤون عسكرية وأمنية

أحمد العجوز يكتب: عناصر الاستخبارات في السنة النبوية وتطبيقاتها المعاصرة

أحمد-العجوز-يكتب-عناصر-الاستخبارات-السنة-النبوية-تطبيقاتها-المعاصرة

مقدمة

السبب الرئيس لإنشاء أجهزة الاستخبارات هو الحاجة إلى المعلومات؛ بهدف الوصول إلى الحقيقة بشكل صحيح، وبناء عليه؛ فإن وظيفة العاملين في أجهزة الاستخبارات، تنقسم إلى جمع المعلومات ومعالجتها وتحليلها ثم إيصالها عبر التقارير الأمنية إلى الجهات المعنية "الزبون" وفيما يلي أهم أنشطة الاستخبارات في السنة النبوية وتطبيقاتها المعاصرة:

 أولا: جمع المعلومات

جمع المعلومات أكثر الأنشطة الاستخبارية؛ فبدونها تبقى أجهزة الأمن عاجزة عن القيام بأي نشاط أخر، وتتنوع طرق جمع المعلومات بين استخدام العملاء والتكنولوجيا والحصول عليها من المصادر العلنية. الموسوعة البريطانية ترى أن أكبر كمية من المعلومات الاستخبارية تأتي من مصادر عامة وبدون عناء، وهذا يتضمن الاستماع إلى نشرات الإذاعات الأجنبية وتحليل مضمونها، والحصول على المنشورات الإحصائية، وتمحيصها وتقارير السياسيين ورجال الأعمال وغيرها، حيث أن أكثر من 80٪ من المعلومات التي تحصل عليها أجهزة الاستخبارات تأتي من مصادر علنية. (أبو زبيدة، 2019).

جمع المعلومات في السنة النبوية

اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بجمع المعلومات، فخلال تواجده في مكة المكرمة والمدينة المنورة حرص صلى الله عليه وسلم على بناء الحس الأمني لجيل الصحابة، خاصة في مكة وتحديدا في المرحلة السرية للدعوة من أجل الحفاظ عليها.

إن السرية والكتمان في الإسلام كانا متلازمين لانبثاق الدعوة الإسلامية وولادة الدين الجديد في مكة؛ وذلك درا للمخاطر وحفاظا على أرواح تلك الفئة المؤمنة التي نبذت الديانات التي توارثوها جيلا بعد جيل واتبعت نبي الرحمة وتعاليمه، فقد بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإسلام بصبر وصمت وفي سرية تامة. (الأسمري، 2018).

ومن نماذج جمع المعلومات السرية ورصد تحركات قيادة قريش؛ ما قام به سيدنا عبد الله بن عمر أثناء الهجرة النبوية من مكة للمدينة. كما كانت القيادة أعلم بواقع العدو وأدرى بأسراره، ولها في صفوفه من ينقل لها تخطيطهم، كلما كان ذلك أنجح لها في تنفيذ خططها ومخططاتها، لذا أمر سيدنا أبوبكر رضى الله عنه ابنه عبد الله أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهارا، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر، وقد قام عبد الله بهذا الدور خير قيام يقول ابن حبان: "يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام ثقف لفن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح بمكة مع قريش كبائت بها، فلا يسمع أمر يُكاد به، إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك عندما يختلط الظلام".

تتضح من النص عدة أمور لها أهميتها منها:

  • الصفات التي يمتاز بها عبد الله، فهو ثقف؛ أي حاذق فطن، ولقن؛ أي سريع الفهم، وهذه من السمات المطلوب توفرها فيمن يقوم بمثل هذه المهمة، فالذكاء يساعده على حسن التصرف حيال المواقف الحرجة التي قد تصادفه إبان القيام بمهمته، كما يساعده في استخدام الوسيلة المثلي في الحصول على المعلومة دون زيادة أو نقص، مما يجعل المعلومة التي يأتي بها تمتاز بقدر كبير من الصحة.
  • ذهابه إليهم ليلا سرا، وعودته عند السحر يبعده عن خطر مراقبة قريش، لأن الظلام - كما هو معلوم - ساتر مناسب لمن يقوم بمثل هذه المهمة الحساسة، فدخول مكة سحرا، يبعد عنه شبهة الاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم فيصبح وكأنه بائت بمكة لا بالغار، وهذه قمة في الحيطة والحذر ودقة التخطيط، والمعلومات التي كان يأتي بها تجعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه على دراية تامة بما تفعله وستفعله قريش الأمر الذي يجعل تحرك الركب من الغار مبنيا على الحقائق الصحيحة لا على الظن والحدس. (أحمد، 1996).

جمع المعلومات في العصر الحديث

ومن الأمثلة في العصر الحديث على جمع المعلومات؛ ما يقوله الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي أي أية) هنري أ. كرامبتون في كتابة فن التجسس: "زودنا عميل قديم العهد، وهو موظف في أحد الفنادق بلائحة الزعماء الأجانب الوافدين الذين سينزلون في الفندق، اطلعنا مقر القيادة لتحديد مستوى الاهتمام الذي نحتسب من خلاله المخاطر والاستثمار، وفكرنا مليا في كافة الترجمة والتحليل والدعم اللوجستي في مقابل المكسب الاستخباري المحتمل، ولم أشأ تكرار الإخفاق الاستخباراتي لأول عملية تسلل قمت بها قبل ذلك بسنوات، اخترنا الهدف وأعطينا التعليمات لعميلنا الذي سيبدل جهاز التحكم العادي عن بعد في غرفة الهدف بجهاز أخر تم تعديله خصيصا وصمم لالتقاط الصوت وبثه إلى مركز تنصت مجاور.

اشتملت عملية جمع الاستخبارات أحيانا على أمور ذات قيمة كبرى وبخاصة بالنسبة إلى أولئك الزعماء الأجانب الذين يستقبلون آخرين لإجراء نقاشات سياسية، أحيانا لا تثمر جهودنا إلا عن أمور ذات قيمة متواضعة، إلا أننا نحصل في العادة على شيء ما، فالسياسيون يحبون الكلام ونحصل على تصور مفيد لشخصيات هؤلاء الزعماء الأجانب وأطباعهم.

وثقنا في إحدى الحالات رأي مسؤول أجنبي في نظيره الأمريكي، وهو رأي خال من الثناء لكنه دقيق للغاية من وجهة نظري، أرسلنا هذه الاستخبارات عبر قناة محصورة للغاية لتسليمها إلى المسؤول الأمريكي، وتساءلت عن رد فعله لدى قراءة تقريرنا.

وفي حالة أخرى أوجز زعيم أجنبي استراتيجية حيال دولة مجاورة، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، وحولنا التقرير إلى مقر القيادة وإلى محطتي السي أي اية في البلدين للإطلاع والتعليق، عزز التعليق تقويماتنا السابقة وتوسع فيها مضيفا إليها تعديلات مهمة جديدة.

وسلمنا الاستخبارات إلى صانعي السياسة في الولايات المتحدة وإلى الجهاز الحليف في البلد المجاور، وزودنا حليفنا بدوره بمزيد من المعلومات عن البلد المعنى، وفي هذا مثال عظيم على استخبارات أحادية الجانب تؤدي إلى تقرير التنسيق الاستخباراتي من الخارج. (كرامبتون، 2021، ص ص 88- 89).

ويرى الباحث أن الرسول صلى الله عليه وسلم اهتم بجمع المعلومات، واختار الرجال الأصلح لتلك المهمة التي حافظت على الدعوة الوليدة في مكة المكرمة، وأن الحفاظ على سرية المعلومات ساعده بعد توفيق الله في عملية الهجرة إلى المدينة المنورة، كما أن المعلومات هي النشاط الأول لأي جهاز استخباري فبدون المعلومات لا يوجد استخبارات، فجمع المعلومات هو أساس التجسس.

ثانيا: تحليل المعلومات

لا يستطيع صناع القرار إعداد القرارات الصحيحة أو المناسبة للعرض متخذ القرار إلا إذا توفرت لديهم المعلومات الدقيقة، والتحليلات الاستخبارية الصحيحة، مدعمة بالاستنتاج والآراء والتوصيات الرصينة من الخبراء وذوي الاختصاص في هذا الشأن، ففي زمن الحرب والأزمات على سبيل المثال تصبح عملية الحصول على معلومات ذات العلاقة في منتهي الأهمية، ذلك أن عدم القدرة على الجمع الكاف من المعلومات أو الفشل في تحليل المتوفر منها وغياب التقييم الموضوعي المتوازن للمعطيات قد يعرض أمن الدولة بأسرها للخطر الجسيم.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم مدركا لهذه الحقيقة الأساسية، يأخذ بها على الدوام فكان شديد الحذر عند الأعداء لأي أمر كان، من خلال تحليله للمعلومات التي تذوده من عيونه المنتشرة في المواقع المختلفة، أو ما قد نطلق عليه الشبكات الاستخبارية وذلك بعد التثبت منها وتأكيدها. (الأسمري، 2018، ص 126)

ومن المعروف أن رجال المخابرات الناجحة؛ هم من لديهم القدرة الفائقة على تحليل المعلومات واستخلاص النتائج، ثم الاستدلال على نوايا العدو وتحركاته، وتقدير قوته وعددها من خلال معلومات حتى ولو كانت صغيرة وبسيطة أو عابرة قد لا يعيرها البعض اهتماما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستدل على نوايا العدو من هيئتهم وتحركاتهم ومثال على ذلك.

انسحبت قريش من أُحد عائدة لمكة مقتنعة بما حققته من نصر، مكتفية بما حدث للمسلمين؛ إلا أن رسول الله المحنك والملهم من الله تعالى، لم تجعله الهزيمة ينسى أو يهمل قواعد الأمن والتأمين ولا يترك شيئا للمصادفات، فقد ترى قريش أن تعود مرة ثانية قناعة منها بأن هذه فرصتها للخلاص النهائي من الرسول والمسلمين.

اختار الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وكلفة بمأمورية محددة وهي تعقب قريش والوقوف على خط سيرها، وكان ذلك يسمي أمنيا اجتياح عاجل وفيه نقاط عدة، هي: رصد حالة جيش قريش، فهل يركبون الخيل أم الأبل، وهنا يأتي دور القاعدة الأمنية "تحليل المضمون"؛ وبتحليل ذلك كان العرب اعتادوا في حالة استعدادهم للحرب ركوب الخيل أما في حالة الاسترخاء فيركبون الإبل ويجتنبون الخيل، وهنا تحدد رؤية وخطة قريش؛ فإذا ركبوا الإبل فهم في طريقهم إلى مكة ولا يفكرون في العودة مرة ثانية، أما اذا كانوا يركبون الخيل فسوف يعودون لغزو المدينة مرة ثانية. (حسين، 2010، ص 277).

تحليل المعلومة في الوقت المعاصر

ولعل خير نموذج على ذلك في العصر الحديث؛ هو نجاح كتائب المقاومة في قطاع غزة بتحليل معلومة "أكذوبة" الاجتياح البري لقطاع غزة خلال معركة سيف القدس في مايو 2021، حيث كشف رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار في أول لقاء مفتوح مع وسائل الإعلام يوم الأربعاء 26 مايو 2021 أن الاستخبارات العسكرية للمقاومة كانت مطلعة على خطط العدو، ولم تنطل عليها خدعة الهجوم البري، وعممت بعدم النزول إلى الخطوط المتقدمة، لافتا إلى أن الاحتلال الصهيوني لم ينل من مقاتل واحد في هذه الخدعة الكبيرة التي شاركت فيها 160 طائرة، وأكد السنوار أن الضرر الموجود في شبكة الانفاق لم يصل إلى 5٪. (قناة الجزيرة على اليوتيوب، 2021).

المقالة : هي جزء من دراسة للباحث في الدراسات الأمنية أحمد العجوز بعنوان "الاستخبارات العسكرية في العهد النبوي وتطبيقاتها المعاصرة"