في ذكراها 17 : أنفاق المقاومة ودورها في انسحاب الاحتلال من غزة 2005 — شؤون عسكرية وأمنية

في ذكراها 17 : أنفاق المقاومة ودورها في انسحاب الاحتلال من غزة 2005

في-ذكراها-17-أنفاق-المقاومة-ودورها-في-انسحاب-الاحتلال-غزة-2005

بعد أن ضاقت بالمقاومة الفلسطينية كل السبل للوصول لأهدافها كان لزاماً عليها أن تجد طريقاً ما لتصل به لقوات الاحتلال، وترد به على جرائمه اليومية بحق الشعب الفلسطيني، ولم يستغرق ذلك طويلاً لتتمخض عقول المقاومة عن فكرة جديدة لم تخطر على بال أحد نظراً لما تمثله من صعوبة شديدة واحتياجها لإمكانيات خاصة، لجانب أن هذا النوع من العمليات غير معهود في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني، وتلخصت الفكرة في حفر نفق في باطن الأرض للوصول لأسفل المواقع العسكرية، ومن ثم وضع كمية كبيرة من المتفجرات وتدميره.

قامت المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى بعدد من العمليات النوعية عبر الأنفاق ويمكننا هنا عن ظاهرة اشتهرت بتلك الفترة بـ "حرب الأنفاق"، حيث لم تعد لغرض تهريب السلاح فحسب، بل استطاعت المقاومة الاستفادة من خبراتها في حفر الأنفاق لزرع الرعب في قلوب الصهاينة، من خلال تفجير العبوات أسفل المواقع العسكرية الصهيونية المنتشرة في قطاع غزة، أو استخدامها في وصول المقاومين لهذه المواقع

استخدمت المقاومة الفلسطينية هذا الأسلوب مرات عديدة خلال الانتفاضة الثانية، وكان أغلب هذه العمليات لكتائب القسام التي أشركت معها بعض الفصائل في عمليتين منها، ومن بين تلك العمليات:

1- تدمير موقع (ترميد) العسكري: وهي عملية داخل الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وقطاع غزة بتاريخ  26 أيلول (سبتمبر) 2001، وهو عمارة مكونة من ثلاث طوابق يقطنها عدد من جنود الاحتلال الصهيوني، وتم استهداف هذا الموقع من خلال حفر نفق يصل طوله 150 متراً وتفخيخه بكمية كبيرة من المتفجرات وتدمير الموقع، وكانت خسائر العدو البشرية حسب اعترافه مقتل اثنين وإصابة 5 آخرين بجروح، وقام المواطنون بعد الانفجار بدخول الموقع المدمر، وأخذوا ما فيه من رصاص ومعدات متبقية، وواجهت المجاهدين العديد من الصعوبات مثل : ضعف الإمكانيات – سوء التهوية داخل النفق – خطورة المكان ورصده من قبل العدو والعملاء – اختلاف نوعية التربة خلال عمليات الحفر ( رملية - صخرية – طينية ) .

2- عملية برج المراقبة في منطقة يبنا: والمسمى موقع (حردون) على حدود قطاع غزة مع مصر بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2003م، وهو برج مراقبة يراقب أمن الشريط الحدودي مع مصر، وهذا البرج تم إنشاؤه، ومزود بأدق آليات التصوير والرشاشات الثقيلة، وقام هذا الموقع بإلحاق الأذى والدمار بسكان المنطقة المحاذين للشريط الحدودي، وقد تم استهدافه بنفق يبلغ طوله 200 متر، وتم زراعة كمية من المتفجرات أسفل البرج وتدميره، وأسفرت هذه العملية عن قتل وإصابة من بداخل البرج .

3- موقع المطاحن المسمى ( أورحان ): وهو موقع محفوظة بتاريخ 27 حزيران (يونيو) 2004م ، حيث تمكن مقاتلون من كتائب القسام بحفر نفق طويل أسفل الموقع شمالي منطقة القرارة وسط قطاع غزة، ويتواجد فيه ما بين (35-50) جندياً صهيونياً، وهو موقع كبير يربط جنوب القطاع بوسطه وشماله، ومركز لتوزيع مهام الجيش الاسرائيلي في جنوب قطاع غزة، علاوة على وجود مراكز للمخابرات الإسرائيلية بداخله، وتم استهداف هذا الموقع عبر نفق طويل طوله 500 متراً، ثم زراعة كمية كبيرة من المتفجرات أسفله وتدميره بالكامل، وقتل وإصابة من فيه، وتدمير الآليات المتواجدة بداخله .

قامت ( وحدة مكافحة الإرهاب ) في كتائب القسام بتفريع النفق إلى ثلاثة أفرع (شرق ـ وسط ـ غرب ) وتوزيع العبوات الناسفة على هذه الأفرع الثلاثة، حيث تم وضع عبوة شديدة الانفجار تزن (650 ) كيلوغراماً شرقاً، وعبوة أخرى تزن (700) كيلوغراماً غرباً، وعبوة ثالثة في الوسط تزن (650) كيلوغراماً، ليصل مجموع المادة المتفجرة في هذه العملية إلى (2000) كيلوغراماً، وكانت آلية تنفيذ العملية باستئجار أرض تبعد عن الموقع ( 350 ) متراً، ثم حفر نفق انطلاقاً منها ليصل أسفل الموقع العسكري، وثم وضعت العبوات فيه وتم تفجير العبوات بأمر من قائد المنطقة الجنوبية للقسام على مرحلتين؛ حيث انفجرت العبوتان الشرقية والغربية معاً ومن ثم انفجرت العبوة الثالثة بفارق (15) ثانية بين المرحلتين .


4- اقتحام موقع عسكري في معبر)المنطار) شرق غزة: عملية أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية اسم "السهم الثاقب" بتاريخ 7 كانون الأول/ديسمبر 2004م، ومن تفاصيل تلك العملية أن عميلا ًمزدوجاً أوصل معلومات مضللة للجيش الإسرائيلي دفعت الجنود للتجمع داخل موقع الجيش في نقطة تقع فوق مسار النفق الذي تم تلغيمه 1500كغم من المتفجرات، حيث فجرها المقاومون لحظة تجمع الجيش، ثم انقض فريق منهم ليلتحم مع من بقي منهم على قيد الحياة .

5- استهداف موقع عسكري قرب معبر رفح الحدودي: أطلق عليه المقاومون اسم "براكين الغضب" بتاريخ 1 ذو القعدة 1425 هـ الموافق 12/12/2004م: وهي عملية مشتركة بين كتائب القسام ، وصقور فتح حيث حفر المجاهدون نفقاً طويلاً أسفل الموقع العسكري الواقع على معبر رفح الحدودي مع مصر على مدى 4 شهور بطول (600) متراً؛ من أجل الوصول للنقطة العسكرية في المعبر، وتفجير عبوة كبيرة تزن (1300) كغم من المتفجرات.


جدول : إحصائية بعمليات الأنفاق حتى عام 2005م

نوعية عملية النفق

عدد عمليات الأنفاق

قتلى العدو

جرحى العدو

أسر جنود

شهداء المقاومة

تفجير الموقع العسكري نفسه بوضع المتفجرات أسفله

4

18

53

0

1

استخدام نفق لوصول المجاهدين إلى الموقع العسكري

2

3

10

1

4

المجموع 

6

21

63

1

5

(المصدر: المكتب الاعلامي لكتائب الشهيد عز الدين القسام )

حققت استراتيجية الأنفاق في هذه الفترة نجاحاً باهراً، وكان لها أثر كبير في بث روح الفزع والرعب في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكان لهذه العمليات أثر كبير في إيجاد قناعة لدى قادة الاحتلال بأن هذا الشعب وهذه المقاومة لا تعرف لليأس طريقاً، بل تشق كل الصعاب من أجل الوصول لقلب مراكز العدو، وإلحاق الهزيمة به، وكانت لهذه العمليات بالغ الأثر في تفكير الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب من قطاع غزة أمام إصرار وعزيمة المقاومة .

كشف هذا النوع من العمليات العسكرية عن جوانب مهمة، منها :

  • أثبتت تلك العمليات قدرة عالية لدى المقاومة في التخطيط، والتنفيذ، وسرية المعلومات، خاصة إذا علمنا أن حفر بعض الأنفاق استغرق أربعة أشهر، ولا يبعده عن الموقع العسكرية الاسرائيلية المستهدف مئات الأمتار، وشارك في الحفر والتنفيذ أكثر من 20 مقاوماً .
  • تعرض الجيش الإسرائيلي لمأزق حقيقي جراء تلك العمليات، لأنها عطّلت جزءاً مهماً من استراتيجياته الأمنية والعسكرية، فهو أسلوب تنعدم فيه المواجهة المباشرة التي يتميز بها الجيش الإسرائيلي؛ لامتلاكه أدوات قتالية أقوى، وأحدث حالة من الإرباك لدى الجنود الإسرائيليين الذين لم يعودوا يثقون بتحصين مواقعهم العسكرية، وباتوا ينتظرون تفجير المواقع من أسفلهم في كل لحظة.
  • استطاع المقاومون من خلال تلك العمليات مفاجأة الجيش الإسرائيلي، والتغلّب على كل إجراءات الحماية والوقاية التي يعتمدها في مواقعه العسكرية .
  • استفاد الفلسطينيون في قطاع غزة من تجربة الأنفاق في أنشطة مدنية إنسانية، حيث استخدموها لأغراض تهريب احتياجاتهم من المواد الغذائية والألبسة والأدوية ومواد البناء والسيارات الصغيرة، بعد فرض "إسرائيل" الحصار المشدد على القطاع؛ في أعقاب فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006م".
  • أثبتت استراتيجية الأنفاق سقوط نظرية الجدار الفاصل، وأن الاحتلال الاسرائيلي مهما نزل في الأرض أو ارتفع في السماء فلن يكون حائلاً أمام ضربات المقاومة من تحته عبر الأنفاق .