في مقال نشره معهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، يشير رئيس المعهد ورئيس شعبة الإستخبارات السابق تامير هايمان، إلى أن تصاعد منحى الأحداث في الضفة الغربية؛ يعود إلى ضعف السلطة الفلسطينية، وعدم قدرتها في إحكام سيطرتها الكاملة على مدينتي نابلس وجنين. بدأ هذا الادعاء يترد من الأوساط السياسة والعسكرية، بل وحتى الأكاديمية.
يرى هايمان أنه يتحتم على المؤسسة الأمنية العمل المشترك ضمن الوسائل المتوازنة، بما فيها الجهد العملياتي المستند إلى العمل الاستخباراتي، للتخفيف من وطأة تصاعد الأحداث. لكن السؤال المركزي في هذه المسألة بالتحديد: ماذا قصد هايمان بالعمل المشترك ضمن الوسائل المتوازنة؟ وبما أنه لم يحدد طبيعة العمل المشترك بالوسائل المتوازنة، فيبقى المجال مفتوحاً للتفكير وإبداء الرأي.
قبل الولوج في محاولة الإجابة على السؤال، أعتقد بأن المقصود من عبارة "ضعف السلطة" هو تآكل شرعيتها في الشارع الفلسطيني، بسبب إخفاق مشروعها السياسي، وعدم تجديد مؤسساتها انتخابياً، وليس المقصود بالضعف من الناحية العسكرية أو العددية.
من المستبعد أن القصد في العمل المتوازن داخل المؤسسة الإسرائيلية ذاتها؛ لأنها وببساطة تعمل بتناسق تام، وإن ظهر خلاف ذلك إعلامياً؛ بالتحديد في أجواء السباق الانتخابي الإسرائيلي المحتدم. وبالتالي، فهل يا ترى قصد التعاون المتوازن مع السلطة الفلسطينية بطريقة لا تترك الواحدة الأخرى في الساحة؟ وهذا ما يتقاطع مع ما نشره الصحفي باراك رافيد يوم الجمعة الماضي حول الرفض الإسرائيلي لطلب السلطة الفلسطينية على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، بإتاحة المجال لها بالعمل لتهدئة الأوضاع لمدة أربعة أشهر دون أي تدخل إسرائيلي.
من الخطأ عزل ما يجري اليوم، لا سيما في الضفة عن الاستعدادات لليوم الذي يلي أبو مازن. وبالتالي، فإن كيفية التعامل وإعادة تنظيم العلاقة مع القيادة الفلسطينية الجديدة، إضافة إلى تحقيق الفصل في الشؤون المدنية، تحت شعار "تقليص الصراع"، وإن غُلف بسميات أخرى دون الوصول إلى حل نهائي، هو الأهم إسرائيلياً، على الرغم من وجود تيارات يمينية متصاعدة رافضة لفكرة الانفصال بكافة مستوياتها وأشكالها، مضافاً إلى ذلك كله اليقين التام لدى جميع الأطراف بما فيها المجتمع الدولي بموت أطروحة حل الدولتين.
إذاً يبقى السؤال: هل تعمل إسرائيل على إنتاج "تصعيد تحت السيطرة" لتطبيق مخططاتها، مستغلة ادعاء ضعف السلطة بقيادتها الحالية من جهة، والتأجيج الإعلامي والترويج لعملية عسكرية محتملة وتوسيع نشاطات الجيش في الضفة من جهة أخرى، على الرغم من الإشادة الإسرائيلية بالتنسيق الأمني طيلة الفترة السابقة؟
في الجهة المقابلة، ترى شريحة واسعة من الفلسطينيين بما فيها حماس أن الدخول في مواجهة مع إسرائيل أو حالة التصعيد القائمة، فرصة للإفلات من قبضة السلطة الأمنية التي بدأت عام 2007، ومحاولة لإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، عبر الدعم المادي واللوجستي قدر الإستطاعة، والتركيز على الخطاب المقاوم بصورة شعبوية ومؤججة للعاطفة، لإبقاء جذوة المواجهة بصورتها الحالية مستمرة قدر الإمكان، رغم من حالة الضعف البنيوي التي تعتري التنظيمات والفصائل الفلسطينية في الضفة.
تقودنا معطيات الأوضاع الجارية، في ظل صعوبة التنبؤ الدقيق، إلى التساؤل حول المدى الذي من الممكن أن تصل إلى هذه الأوضاع، وما هي خيارات إسرائيل في حال الانزلاق إلى إنتفاضة؟ مع العلم بأن ما يجري لا يعتبر انتفاضة أو حتى هبّة بالوصف الدقيق، إلا أنه بات واضحاً ما دامت الاقتحامات الليلية للمدن والبلدات الفلسطينية ستستمر معها الاشتباكات، التي تبقى لهب المواجهة مشتعلاً، ما يرشح انتقالها إلى نقاط الاحتكاك رويداً رويدا؛ ما لم تقم السلطة الفلسطينية بإحباطها.
أما في حالة الاقتراب من فقدان السيطرة بمعناه الحقيقي لا الإعلامي، وبداية الانزلاق نحو انتفاضة، فأول ما ستقوم به إسرئيل هو تمكين السلطة الفلسطينية بالشقين العسكري المقبول والاقتصادي المغري.
في ضوء الضغط الإسرائيلي لإيجاد شريك فلسطيني وهمي، وتثبيت كيان فلسطيني يعيش في أحشاء إسرائيل، يدار فلسطينياً أمام العالم. لذا، تستطيع السلطة الفلسطينية أن تستغل هذه التصعيد القائم في الضفة الغربية، بالرغم من الثمن المكلف لهكذا خطوة -إن أرادت ذلك- لتصحيح مسارها في العلاقة مع الشارع الفلسطيني أولاً وإسرائيل ثانياً، تحقق من خلاله بعض المكاسب والإنجازات على مستويات مختلفة، بالتعاون المشترك مع كافة الفصائل الفلسيطينية التي يكشف سلوكها حتى اللحظة عن غياب استراتيجية مقاومة، ما يضطرها لبلورة خطة وطنية مشتركة لاستثمار الحالة الراهنة، وتوظيفها لإعادة دورها المرجو في جميع الساحات.