هلال نصّار يكتب: ملاحقة أبطال الضفة نتائج لقاء غانتس-عباس — شؤون عسكرية وأمنية

هلال نصّار يكتب: ملاحقة أبطال الضفة نتائج لقاء غانتس-عباس

هلال-نصّار-يكتب-ملاحقة-أبطال-الضفة-نتائج-لقاء-غانتس-عباس

نتائج لقاء غانتس-عباس في تل الربيع المحتلة الشهر المنصرم، بدأت تظهر جلياً علناً نهاراً، لاستكمال مسلسل الاعتقال السياسي التعسفي من أجل السيطرة الأمنية على مناطق الضفة قبل انهيار السلطة أمام الشباب الثائر في مواجهة الاحتلال الصهيوني، وهو ما يتخوف منه فريق السلطة أدى إلى هرولته للقاء وزير جيش الاحتلال والاحتماء بأحضانه لإنقاذ سلطته مقابل تنفيذ ما يؤمر به، تمارس خفافيش سلطة رام الله بلطجتها ضد أهل بيتا في نابلس، وتلاحق أبطالها وتدفع ثمن ظلم وغدر وخيانة تلك السلطة الفاسدة، وكشف فضيحة جديدة للسلطة خلال شبحها أحد أبطال المقاومة الشعبية في بيتا أول أمس.

ستبقى بيتا أيقونة النضال والمقاومة، أهالي بيتا يعبرون عن سخطهم لمواصلة ملاحقة أبطالها، خلال وقفة احتجاجية ضمت فئات شعبية ووطنية رفضاً لجرائم سلطة رام الله بحق ثوار بيتا، والتي زادت حدتها في الأيام الأخيرة، وتطال الاعتقالات طلبة جامعيين وأسرى محررين ونشطاء من الأطياف والتوجهات كافة، لأسباب ذات دوافع سياسية بحتة.

وبالتزامن، تواصل أجهزة السلطة اعتقال الناشط بلال جهاد حمايل لليوم الـ4 على التوالي، في الوقت ذاته، مددت مخابرات السلطة في قلقيلية اعتقال عدد أخر من المعتقلين في سجن أريحا المركزي، من جانبه أكد جهاد حمايل "عناصر الوقائي والمخابرات اقتحموا منزلي فجراً بشكل همجي واختطفوا ابني بلال".

وفي ذات السياق، أكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أن تصاعد الاعتقالات السياسة من السلطة في الضفة الغربية أمر غير واضح ومرفوض، وأوضحت الفصائل في بيان صحفي مشترك، أن هذه الاعتقالات السياسية "جريمة وطنية وأخلاقية تعكس إصرار السلطة على مواصلة سياسة التنسيق الأمني المدنس مع الاحتلال"، بينما ترفض حركة فتح وتتبرأ من بيان أصدرته لجنة التنسيق الفصائلي في بلدة بيتا بنابلس يدعو إلى وقف الاعتقالات السياسية وإطلاق سراح المعتقلين

يُعاني الشعب الفلسطيني منذ عقدين من استخدام السلطة للاعتقال السياسي، وهو سمة نظام أتت به اتفاقية "أوسلو" المشؤومة التي وقعت في 13 سبتمبر 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، فقد شهدت فلسطين المحتلة حملة اعتقالات واسعة كانت تستهدف وأد المقاومة وإيقاف جذوة "التثقيف" لتحقيق أهداف الاحتلال والمساعي التي كان يُسخر لها كل المقومات لإنجاحها؛ ويهدف الاعتقال السياسي للحد من عناصر المقاومة والقضاء عليهم اما بالقتل او الاعتقال حتى يصبحون غير قادرين على المعارضة أو مقارعة العمل المقاوم، وعبر ذلك قد فرضت السلطة حالة من الشرذمة والاحتكار للسياسات وتشريعها، والاعتقال السياسي محاولات لقتل الروح الوطنية والمقاومة الرافضة للاحتلال (محليًا)، والسياسات الجائرة أو التفرد في الحكم وتهميش الآخر، واستمر هذا النوع من الاعتقال بشكل متقطع، وكانت أبرز سماته؛ إغلاق للجمعيات أو السيطرة عليها، واحتجاز بدعوى الحماية من الاحتلال، وقد وظفت الجهات الممارسة له أجندة عديدة بالإضافة لما لديها من قدرات، لتبرير اعتقال شخص ما سياسيًا، حتى يُصبح مس حريته وكرامته أمرًا مقبولًا من طرف الرأي العام، وذلك باتهامه بأمور لا يتسامح معها عامة الشعب؛ منها التطاول على المقامات العليا والفتنة الطائفية وجمع الأموال لغير الصالح العام.

فالاحتلال يتربص، وشبابنا يعضون على الجراح من أجل فلسطين، لقد تجاوز شعبنا محنًا عظامًا، وخاض حروبًا مدمرة، وصمد أمام آلة الدمار بكل صمود وقوة، ولكن الاعتقال السياسي هو الألم الذي يدمي قلوبنا، وتجدنا ضعفاء أمامه، لأنه يصدمنا بعمق.

استمرار أجهزة السلطة في اعتقالاتها السياسية للمواطنين بالضفة الغربية، الذي يطال مواطنين وطلبة ونشطاء، تزامنًا مع احتجاز آخرين دون محاكمة؛ يصفه شعبنا بـ"السلوك الشائن"، والتي تأتي على خلفية وقوفهم في وجه الاحتلال الذي لا يميز بين الفلسطينيين، من أي طيف كانوا.

وحسب شهادات مؤسسات حقوقية؛ يشهد الواقع في الضفة حالة قمع غير مسبوقة للحريات تمارسها أجهزة أمن السلطة، خاصة بعد معركة "سيف القدس" في أيار/مايو الماضي، كما وثقت مجموعة "محامون من أجل العدالة" أكثر من 240 حالة اعتقال سياسي، نفذتها أجهزة أمن السلطة في الضفة المحتلة، منذ منتصف العام الماضي.

المقاومة معركتها الرئيسية هي مع العدو، والسلطة تمثل كلاب أثر، تنهش بعناصر المقاومة هنا وهناك، وتطعن ظهرها وتضع العراقيل أمام مشروعها، من تعجز السلطة عن اعتقاله، تطلب من الاحتلال ملاحقته، وهذا الدور يؤكد أن السلطة ترتع بوحل العار بصورة غير عادية وأنها أصبحت وبالاً على الشعب الفلسطيني، ولن تستيقظ من غفلتها أو تستدرك نفسها إلا بعد لفظها خارج الإطار الوطني.


وفي الحقيقة، فإن الاعتقال السياسي عمل على زيادة الهوة بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وبين الشعب والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، بالإضافة لتشتيت أوصال الشعب الفلسطيني وتمزيق العلاقات الاجتماعية.. ولم يُحافظ على الوطن أو مقوماته التي هي أساسًا تخضع لسلطات الاحتلال. ومن وجهة نظر وطنية، الاعتقال السياسي ظاهرة مُسيئة للشعب الفلسطيني؛ وتحديدًا أنه ما زال يرزح تحت الاحتلال، وقد ساهمت تلك الظاهرة في تفتيت النسيج الاجتماعي والوطني وأوصال الفلسطينيين. وقد اتفق الحقوقيون والسياسيون، على أن الاعتقالات السياسية لا تخدم المصلحة الفلسطينية الوطنية، وهي خدمة مجانية للاحتلال الذي يستغل تلك الاعتقالات لـ "إثارة الفتنة" وتغذية الخلاف بين الفلسطينيين.

وقد شددت العديد من الجهات الحقوقية والسياسية، على أن مبررات وأسباب الاعتقال السياسي "واهية، ولا أساس لها من الصحة"، عدا عن أن التهم الموجهة للمعتقل على خلفية سياسية لـ "تضليل القضاء، ويُبرر احتجازهم لمدة أطول"، وفي أحدث إحصائية حول الاعتقالات السياسية، قالت "لجنة أهالي المعتقلين السياسيين" في الضفة الغربية المحتلة، إن أجهزة أمن السلطة اعتقلت 97 مواطنًا خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر الماضي.

ويعتبر الاعتقال السياسي أيضًا انتهاكًا لمبدأ التعددية السياسية وحرية تشكيل الأحـزاب والـذي يعد من أهم مبادئ الديمقراطية. ويتناقض مع مشروع القانون الأساسي الفلسطيني لعام 1996 الـذي أقره المجلس التشريعي آنذاك بالقراءات الثلاث. وقد تضمنت وثيقة إعلان الاستقلال الصادرة عـن المجلـس الوطني الفلسطيني في دورته الـ 19 المنعقدة في الجزائر عام 1988 "أن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسـانية، فـي ظـل نظـام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل".

ومن الواجب التأكيد على أن الاعتقال السياسي، ليس وليد الانقسام الفلسطيني؛ منتصف يونيو 2007، وقد مارسته السلطة الفلسطينية منذ التسعينيات ضد عناصر المقاومة الفلسطينية والتنظيمات التي كانت تُعارض سياستها؛ لا سيما حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. ويستخدم هذا النوع من الاعتقال، الذي ازدادت نسبته في الآونة الأخيرة، كورقة للضغط على الخصوم السياسيين ومحاولة ابتزازهم للحصول على انجازات وتنازلات مجانية في الحياة السياسية الداخلية، وفلسطينيًا يعتبر "خرقًا خطيرًا" للدستور الذي نص في المادة "37" منه على تمتع جميع المواطنين بحرية التعبير عن الرأي، كما نص في المادة "54" على أن لكل مواطن فلسطيني حق الإسهام في الحياة السياسية.

ووفق القانون الدولي؛ الاعتقال السياسي يعتبر "إجراء محظور" في جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، وهو اعتقال خارج عن القانون وتعسفي، يعتبر مسًا خطيرًا بالدستور والتفاف على المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، ويمتاز هذا النوع من الاعتقال، بأنه عملية منظمة وليست عشوائية، تستهدف من خلالها الحكومات "إسكات" معارضيها أو إجبارهم على الرحيل، وتأتي ضمن حملة استئصال لكوادر المقاومة والناشطين فيها، ناهيك عن ما يجري فيه سجونها من اعتقالات وقتل وتعذيب.

أما فلسطينيًا يعرّف هذا النوع من الاعتقال، على أنه احتجاز تعسفي؛ وهو حرمان الأشخاص من حريتهم الشخصية بشكل مخالف لنص وروح القوانين الفلسطينية والدولية؛ وعلى رأسها القانون الأساسي الفلسطيني في المواد (11-14)، والتي أكدت حق الفرد في الحماية من تقييد حريته أو حبسه إلا بأمر قضائي ووفقًا لأحكام القانون.

بدوره، أكد مركز الإنسان للديمقراطية والحقوق، أن ممارسات الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية المقيدة للحقوق والحريات، تزايدت في الآونة الأخيرة خاصة بعد قتل الناشط الحقوقي نزار بنات على يد أجهزة الأمن الفلسطينية، وأشار المركز في بيان له إلى أن تلك الممارسات "تحاول فرض واقع دكتاتوري على الفلسطينيين، من خلال اعتقال المواطنين وإهانة كرامتهم الإنسانية بصورة غير لائقة وغير أخلاقية"، وأضاف المركز، إن "ارتكاب أجهزة السلطة الانتهاكات الحقوقية والدستورية، يعود بالضرر على حالة حقوق الإنسان، ويشكل خطراً على حياة المواطنين وحقوقهم المكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات التي تعزز حالة حقوق الإنسان، والتي صادقت عليها السلطة الفلسطينية بُغية أن يتمتع الإنسان بحقوقه وحرياته، إلا أنها بممارساتها تحرمهم منها، وتشجع عملية الإقصاء والتمييز على أساس حزبي".


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "180 تحقيقات"