اعتداء قوات الاحتلال ومصلحة معتقلاتها على حرائر فلسطين مؤخراً (الأسيرات القابعات في السجون الصهيونية)، يعتبر انتهاك صارخ لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف بحق الأسرى الفلسطينيين، وجريمة جديدة وفق القانون الدولي الإنساني، ويعد هذا اختراق أمني واضح ترفضه مؤسسات وهيئات المجتمع الدولي، بينما هناك مطالبات حقوقية لمعرفة أوضاعهن نتيجة خطورة الاقتحامات المفاجئة والانتهاكات التي يتعرضن لها.
اعترف القانون الدولي صراحة بحق المشاركين في حمل السلاح تلقائياً في وجه القوات الغازية، وفي التمتع بوضع أسرى الحرب إذا حملوا السلاح علناً واحترموا القانون الدولي الإنساني، ولم تلتزم سلطات الاحتلال الصهيوني بالضمانات الخاصة بحماية السكان المدنيين أصحاب الأرض المحتلة، ولم تلتزم كذلك بالقواعد الناظمة لحقوق المحتجزين وأوضاعهم تلك الضمانات والقواعد التي تناولها القانون الدولي، وأكد عليها وألزم الاحتلال بالإيفاء بالتزاماتها في تعاملها مع الأسرى والأسيرات المحتجزين لديها بما يُلزم احتجازهم داخل المناطق المحتلة ويحفظ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية في تلقي الرعاية الصحية اللازمة والمأكل المناسب، وتمكين عوائلهم من زيارتهم والتواصل الإنساني الدائم معهم، ومنع التعذيب وسوء المعاملة وعدم تعريضهم للاعتقال التعسفي، وكذلك حظر الاستخدام المطلق لأوامر الاعتقال الإداري وفقا للمادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة، وتُعد عمليات اعتقال المواطنين الفلسطينيين بشكل تعسفي، انتهاكاً للضمانات القانونية المتصلة بحظر الاحتجاز التعسفي، والتي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال المواد (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، والمادتين (9) و(10/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1976م.
في هذا الوقت الحرج تستدرك سلطات الاحتلال الصهيوني انتهاكاتها الوحشية للأسرى والأسيرات لكنها تتجاهل في عرض الحائط قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف بحق الأسرى الفلسطينيين في سبيل الضغط على الأسرى واخضاعهم لتعليمات مصلحة السجون، وهذا قد يترتب عليه تصعيد من عدة خيارات
لا سيما وأن أضفى القانون الدولي الإنساني على الأسرى حماية خاصة، وضمن لهم حقوقاً وألزم كافة الدول بواجبات محددة تجاههم، مستنداً في ذلك على معاهدات دولية شارعة ومعترف بها من قبل المجتمع الدولي وهي: الفصل الثاني (المواد من 4–20) من لائحة لاهاي الملحقة بالاتفاقية الرابعة لسنة 1907، واتفاقية جنيف الثانية لعام 1929 لتحسين حالة أسرى الحرب، واتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، والبروتوكول الإضافي الأول والثاني لعام 1977 الملحقين باتفاقيات جنيف الأربعة، وقد تبنى القانون الدولي الإنساني الفكرة الأساس عن الأسر، باعتبار أنه ليس عقوبة، ولكنه إجراء وقائي الغرض منه إضعاف قوة الخصم، وحددت المادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الخاصة بالأسرى، الفئات التي يعتبرها القانون الدولي الإنساني أسرى حرب، بمن فيهم أفراد الميليشيات والوحدات التطوعية الأخرى وعناصر المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أطراف النزاع سواء كانت الدولة محتلة أم لا، في الداخل أو الخارج، على أن تتوفر في جميع هؤلاء الأشخاص الشروط التقليدية الأربعة: قيادة مسؤولة، وعلامة مميزة، وسلاح ظاهر، ومراعاة أحكام الحرب وأعرافها، ولأسير الحرب في القانون الدولي الإنساني وضع خاص باعتباره ضحية من ضحايا الحرب، ولا يعد من الأهداف التي يجوز استهدافها إلا حال شروعه بالقتال، أما حال استسلامه فلا يجوز التعرض له ويتمتع بكامل الحقوق التي تمنحها إياه اتفاقية جنيف الثالثة، ونجد أن اتفاقية جنيف الثالثة قد نصت على مبدأين رئيسين:
أولهما: عدم جواز محاكمته أو معاقبته لمجرد مشاركته في الأعمال العدائية.
ثانيهما: وجوب معاملة أسرى الحرب بإنسانية، منذ وقوعهم في الأسر إلى حين إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أوطانهم في النهاية وهذا ما يتوجب على الاحتلال الصهيوني الايفاء به للأسيرات النساء اللواتي يقبعن في معتقلاته.
وبهذا نجد أن أسير الحرب يكتسب وضعاً قانونياً تحدده قواعد القانون الدولي الإنساني، وبالتالي إذا لم يحصل الشخص على هذه الصفة يمكن محاكمته على أي فعل قتالي، بمعنى أن اكتساب صفة أسير تكون للمقاتل مسألة رئيسة حتى يتمكن من أن تعامله دولة الخصم بما تنص عليه مبادئ وقواعد الأسر في القانون الدولي الإنساني ويتمتع أسرى الحرب بالحقوق والضمانات المقررة لأسرى الحرب منذ لحظة القبض عليهم ووقوعهم في قبضة العدو ولعل أبرز الواجبات الأولى تجاه الأسرى، أن من حق الدولة الآسرة تفتيش الأسرى والاستيلاء على ما لديهم.
وهنا يرصد القانون الدولي الإنساني أبرز انتهاكات حقوق الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال تتلخص في عدد من النقاط التالية :
عدم توفير العناية الطبية الملائمة
تتعمد إدارة السجون والمعتقلات الإسرائيلية الخاصة بالفلسطينيين إلى عدم توفير طاقم طبي كافي لعلاج الأمراض التي تصيب المعتقلين، كما أن غياب اللوازم الطبية داخل السجون الصهيونية يزيد من حدة تدهور الأوضاع الصحية للأسرى، حيث تساوي إدارة السجون بين المريض بصداع وبين مريض القلب أو التهاب الرئة بإعطاء كل منهم حبة واحدة من المسكن (أكامول) مع إرشاد طبي بضرورة شرب الماء، وبهذا السلوك تنتهك إسرائيل المادة (91) من اتفاقية جنيف التي تؤكد على “توفر في كل معتقل عيادة مناسبة، يشرف عليها طبيب مؤهل ويحصل فيها المعتقلون كل ما يحتاجونه من رعاية طبية وكذلك على نظام غذائي مناسب”، هذا وقد سجلت الإحصائيات الفلسطينية عدداً من شهداء الحركة الأسيرة الذين فقدوا حقهم في الحياة نتيجة للإهمال الطبي داخل المعتقلات.
الحرمان من زيارة الأهل
إن عمليات نقل المعتقلين الفلسطينيين داخل مناطق دولة الاحتلال يعتبر مخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني خصوصا اتفاقية جنيف الرابعة، كما أن نقلهم يعني حرمانهم من زيارة عائلاتهم لهم، حيث يخضع برنامج لجنة الصليب الأحمر الدولي الخاص بزيارة العائلات لذويهم من المعتقلين لقيود مشددة سيما منذ بداية انتفاضة الأقصى في نهاية أيلول من العام 2000م، وقد أعلنت قوات الاحتلال الصهيوني عن إلغائها لبرنامج الزيارات عدة مرات ثم تعود لاستئنافه بعد أشهر طويلة، وفي ذلك مخالفة لأحكام المادة (116) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تؤكد على أنه: "يسمح لكل شخص معتقل باستقبال زائريه وعلى الأخص أقاربه على فترات و بقدر ما يمكن.
العزل
تتبع سلطات الاحتلال الصهيوني سياسة العزل الانفرادي أو الاداري للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بمصلحة السجون كوسيلة ضغط على الأسير بغرض انتزاع الاعترافات منه، أو كعقوبة لأي فعل يصدر عنه يشكل من وجهة النظر الصهيونية خرقاً للنظام المتبع داخل المعتقل، وغالباً ما يتم العزل دون مبرر قانوني الأمر الذي يؤثر سلباً على الوضع النفسي والجسدي للأسير.
التعذيب
تستخدم أجهزة الأمن الإسرائيلية العديد من الأساليب الممنهجة لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين داخل غرف التحقيق، حيث يتم استخدام أسلوب الشبح و الحرمان من النوم و إسماع الموسيقى الصاخبة والضرب والهز والتهديد بالاستغلال الجسدي، والتقييد العنيف للأيدي والأقدام، وتعريض المتهم للإضاءة القوية والضغط على الرقاب، وتعريض الأسير للحرارة العالية تارة والبرودة تارة أخرى، وتعتبر هذه الأساليب منافية للقوانين والأعراف الدولية، وقد أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثانية منه على أنه: “لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أياً كانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديداً بالحرب أو عدم استقرار سياسي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب”، وتعمد أجهزة المخابرات الصهيونية إلى استخدام أساليب التعذيب المختلفة بهدف التأثير على الأسرى ونزع الاعترافات منهم بالقوة، الأمر الذي يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي العام والمواثيق الدولية.
في هذا الوقت الحرج تستدرك سلطات الاحتلال الصهيوني انتهاكاتها الوحشية للأسرى والأسيرات لكنها تتجاهل في عرض الحائط قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف بحق الأسرى الفلسطينيين في سبيل الضغط على الأسرى واخضاعهم لتعليمات مصلحة السجون، وهذا قد يترتب عليه تصعيد من عدة خيارات منها تعنت الأسرى وخوض إضراب عام ومفتوح في كافة السجون وقد يليه عمليات بطولية من الأسرى للسجانين أو مواجهة قوة النخشون وغيرها، أما المقاومة فلم تقف مكتوفة الأيدي وتعهدت بالانتصار للأسرى وتركت الوقت معياراً لسلوك قوات الاحتلال ومصلحة سجونها.