العميد الركن أحمد رحال يكتب: أسراب طائرات موسكو تكسر خطوط واشنطن الحمراء — شؤون عسكرية وأمنية

العميد الركن أحمد رحال يكتب: أسراب طائرات موسكو تكسر خطوط واشنطن الحمراء

العميد-الركن-أحمد-رحال-يكتب-أسراب-طائرات-موسكو-تكسر-خطوط-واشنطن-الحمراء

لم يكن أمراً اعتيادياً إعلان قاعدة "حميميم" (وبأوامر من موسكو) نقلها لسرب طائرات سوخوي35 و12 طائرة سوخوي34 إلى المطار المدني بمدينة القامشلي في مناطق شرقي الفرات الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المحمية من التحالف الدولي والولايات المتحدة الأمريكية, وسبق ذلك, الإعلان عن إعادة تأهيل مطار القامشلي بمدرج جديد وأبنية لوجيستية لتأمين استخدامه من قبل الطائرات الروسية التي وصل منها سابقاً سرب حوامات "مي 17 ومي 25" مع منظومة استطلاع راداري ومنظومة دفاع جوي متطورة, وترافق هذا الأمر أيضاً مع تجهيز مطار "ميتراس" بجوار بلدة "صرين" القريبة من عين العرب "كوباني" شمالي مدينة الرقة على الحدود التركية.

التحرك الروسي شرقي الفرات كان عبر أكثر من مكان وعبر أكثر من محاولة سابقة جُوبِه بعضها برفض أمريكي، ومنها ما تم التوافق عليه كما حصل في عين العرب "كوباني" وعين عيسى ومنبج وغيرها من مواقع ما زالت تحت سيطرة قوات "قسد" ظاهرياً وتنظيم بي كي كي فعلياً, وعندما حاول الروس الاقتراب من مدينة دير الزور شاهد الجميع أعضاء المجلس العسكري الثوري بدير الزور كيف قطع الطريق على الدورية الروسية وخاطبه بكلام وطني مسؤول عبّر فيه عن رفض المكون العشائري ورفض أهالي دير الزور السماح بوجود من تقتل طائراته أطفال إدلب والنساء والشيوخ وتدعم بشار الأسد حتى لو أحرقت كل سوريا.

لكن التوغل الروسي ونشر الطائرات لم يكن صادماً لأحد وخاصة الأمريكان باستثناء مجلس أهل دير الزور, فالأمريكان علقوا على الموضوع بتصريح المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، الذي أكد أن الولايات المتحدة تحرص على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع موسكو في سوريا، وأن واشنطن عازمة على مواصلة استخدام آلية تفادي الصدام.


التحرك الروسي يأتي ضمن أجندة روسية سابقة ولاحقة تهدف لاستعادة كامل الجغرافية السورية ووضعها تحت سلطة حليفها الأسد ضمن وعود أطلقتها بأن تكون نتيجة تلك التفاهمات والمصالحات تتجلى بالمرحلة النهائية من عملها في سوريا من خلال البحث عن حل عادل وشامل يٌنهي الحرب في سوريا, لكن تجربة السوريين بعد وعود مماثلة أعطاها الروس لأهالي أرياف حمص وحماه والغوطة الشرقية ودرعا وكل تفاهمات خفض التصعيد في أرياف إدلب وحماه وحلب وغيرها أثبتت أن تلك التفاهمات يتم خرقها قبل جفاف حبرها وأن الروسي يكون أول من يخرقها, وأن كل المناطق التي تخضع لتلك التفاهمات سرعان ما تتدخل استخبارات الأسد وميليشيات إيران لضمها لحصتها وعودة (البسطار) الأسدي والملاحقات الأمنية لتفعل فعلها, حتى إن وعود موسكو بأن تلك التفاهمات تحسّن شروط التفاوض لم تفلح، خاصة مع جولات اللجنة الدستورية بحلتها السادسة التي لم تختلف عن سابقاتها, تلك الجولة التي أعقبت تفاهمات مع واشنطن ومصالحات في درعا ووساطة أردنية انتهت برفض نظام أسد تقديم أي تنازل, واعتبار جولات التفاوض مع النظام من قبل عموم السوريين ومعهم المجتمع الدولي أنها تحولت لملهاة ومضيعة للوقت يستثمرها الأسد ولا تفيد المعارضة.

والتحرك الروسي الأخير في شرقي الفرات يأتي بعد متغيرين اثنين:

المتغير الأول: عبر الجولة الثانية من اللقاءات الأمريكية الروسية التي تحصل في جنيف ومعها بدأنا نسمع عن سياسة "الخطوة مقابل خطوة" التي أعلنتها واشنطن وكان من ثمارها تمديد العمل (6 أشهر+6) بمعبر باب الهوى الحدودي لمرور الإغاثة للمناطق الخارجة عن سيطرة "الأسد", ثم التغاضي الأمريكي عن قانون قيصر والسماح لمشروع عبور الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا, وبدأنا نسمع عن مصطلح الأمريكي الجديد "التعافي المبكر" الذي يخدم "نظام الأسد" وحليفته موسكو في سوريا, فهل هذا التوغل الروسي في شرقي الفرات يأتي ضمن إطار التفاهمات الأمريكية الروسية؟؟ خاصة ما تم تسريبه ومن أكثر من مصدر عن دفع واشنطن لحليفتها "قسد" لفتح حوار مع الروس ومع نظام أسد كخطوة قد تكون مقدمة لانسحاب أمريكي من الملف السوري والجغرافيا السورية لضمان عدم تكرار سيناريو أفغانستان مع حلفائها إن قررت واشنطن سحب قواتها من شرقي الفرات السوري.

المتغير الثاني: قيل أن التوغل الروسي شرقي الفرات يأتي بتفاهم ضمني ومخفي بين موسكو وأنقرة ,أثمرت فيه الضغوط الشديدة التي مارستها أنقرة عبر جيشها الموجود في مناطق نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وحليفها الجيش الوطني، واللذينِ يهددان ومنذ أكثر من خمسة أسابيع بعملية عسكرية تستهدف قسد وحليفها البي كي كي في مناطق وجودها على أربعة مسارح عسكرية متوقعة (مسرح منغ وتل رفعت, مسرح منبج, مسرح عين العرب "كوباني" وعين عيسى, مسرح شرقي مناطق نبع السلام وتل تمر), وتترافق تلك الضغوط مع مطالب تركية بتطبيق وعود شفهية أُعطيت مسبقاً لأنقرة من قبل الأمريكان والروس بتسليم مدن وبلدات "عين العرب ومنبج ومنغ وتل رفعت" للجيش الوطني وانسحاب قوات "قسد" لمسافة 30كم عن الحدود التركية, ولا مانع تركيّاً من عودة ميليشيات النظام من "الهجانة" لتسلم الحدود التركية السورية, ويبدو أن قسد وتحت الضغوط التركية ومع النصائح الأمريكية قد تكون أعطت الضوء الأخضر للقوات الروسية بالانتشار بمناطق شرقي الفرات وبما يخضع لتفاهمات روسية مع واشنطن وأنقرة.

التحرك الروسي أيضاً ترافق مع زيارة مفاجئة أُعلن عنها بموسكو نقلاً عن وزارة الخارجية الروسية التي أكدت أن الوزير "سيرغي لافروف" استقبل في موسكو وفدا عن "جبهة السلام والحرية" السورية المعارضة، برئاسة زعيمها أحمد الجربا, الذي انتقل بعدها للقاء مطول عقد مع "ميخائيل بوغدانوف" الممثل الخاص للرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط, وما تسرب عن البعض بأن اللقاء تضمن تقديم عرض من "الجربا" بأن يكون لقواته المتمثلة "بقوات النخبة" دور متعاون مع القوات الروسية الموجودة في شرقي الفرات, ودور أيضاً بعمل "قوات النخبة" كقوات فصل بين الجيش التركي وحليفه الوطني من جهة وبين قوات قسد من جهة أخرى في مناطق شرقي الفرات, وبنفس الوقت تشكل "قوات النخبة" ذات الخلفية العشائرية نوعاً من التوازنات بين مكونات الجزيرة السورية بحيث لا يطغى أحد على الآخر وتُحفظ حقوق جميع المكونات السورية شرقي الفرات.

لكن مصدراً مقرباً من "قسد" نقل يقول: نعم جرت أكثر من جولة مفاوضات بين قيادة "قسد" والقيادة الروسية, لكن معظم ما يتم تداوله عبر الإعلام وخصوصاً إعلام النظام غير صحيح, والمفاوضات بين الروس وقسد لم تفلح بالتوصل لأي اتفاق, لأن الروس لا يحملون مشروعاً يمكن التوافق عليه ولديهم خلط بالأمور وعدم استيعاب لخلفية كامل مكونات قوات سوريا الديمقراطية, فكيف لروسيا أن تعرض مقابل حمايتها لمناطق قسد ضرورة إدخال مدرعات النظام وانتشارها من منطقة مدينة "منبج" حتى نهر دجلة على الحدود العراقية, وشرط آخر وضعه الروس بضرورة اشتراك قوات "قسد" بالعمليات العسكرية على أرياف إدلب وأرياف حلب لتحريرها من الإرهاب على حد زعم موسكو, وكانت بوادر خلاف موسكو مع قسد برفض مجلس منبج العسكري نشر مدرعات نظام الأسد على معبر منبج_جرابلس, وأمام تلك الخلافات وتلك الأطروحات تبرز عدة تساؤلات:

هل هناك جهل روسي بأن نصف المكون العربي داخل قوات سوريا الديمقراطية هم من مدينة إدلب وأرياف حلب؟؟ هل مطلوب من هؤلاء أن يقاتلوا مع نظام الأسد والروس والإيرانيين إخوانهم وأهلهم في إدلب وحلب؟؟ إذا ما علمنا أن هؤلاء المقاتلين غير راضين عن قصف الطائرات الروسية لأهلهم وذويهم بالمناطق المحررة فكيف تطلبون منهم القتال إلى جانبكم؟؟

ويتابع المصدر قائلاً: ألا يعلم الروس أن أكثر من ألفي مقاتل ينتشرون في مسارح منبج وشرقي الرقة هم من أبناء إدلب (جيش الثوار)؟؟, وأن مناطق الرقة وريفها يسيطر عليها لواء الشمال الديمقراطي وهو من المكون العربي ومعظمهم من إدلب؟؟, وأن المجلس الثوري العسكري في دير الزور هو من المكون العربي ومن أبناء العشائر في دير الزور وموقفهم ونظرتهم للروس لا تختلف عن نظرة أي مواطن بالمحرر؟؟

ويختم بالقول: الروس يتخبطون ولا يملكون تصوراً واضحاً لأي حل منطقي في شرقي الفرات, وجل ما يقومون به هو تضخيم الخطر التركي أمام قيادة قسد بهدف دفعها لتسليم مناطقها لجيش الأسد والعودة لحضن النظام دون أي فائدة يمكن أن تجنيها قسد ودون أي وعود مضمونة لمطالب قسد.

في ظل هذا الواقع يتضح أن الأمور في شرقي الفرات هي في مرحلة مخاض حقيقي لم تتبلور فيها آفاق الحلول, وأن أضعف المتصارعين هناك هم قوات سوريا الديمقراطية وأقواها لا يزال الأمريكان, والدور التركي وتهديداته بعمل عسكري ما زال قائماً (نظرياً) حتى الآن.


فهل نكون أمام مرحلة تفاهم أمريكي روسي قادمة يوكل فيها للروس مهمة ترتيب مناطق شرق الفرات كما أوكل الأمريكان للروس سابقاً كامل الملف السوري؟؟

أم إن تركيا تفي بتهديداتها وتٌطلق عملاً عسكرياً يتجاوز كل التحفظات الروسية والأمريكية كما فعلتها سابقاً في عملية نبع السلام (وهي القادرة على ذلك) وتعيد رسم الخرائط وفق مقتضيات الأمن القومي التركي ومصالحها في سوريا؟؟

أم نبقى أمام طواحين هواء من تصريحات سياسية وعسكرية وإعلامية لا تجد لها مرتسماً على الأرض وتبقى الأمور في شرقي الفرات وخرائط مناطق السيطرة والنفوذ كما كانت عليه, والانتظار لجولة أخرى من التصعيد؟؟


المصدر: أورينت نت