ازداد تأثير العوامل العسكرية على تشكيلة العالم والأمن الوطني، وتسارعت خطوات التغييرات الجديدة في المجال العسكري بالعالم، وتحوّل تكوين الحرب من الميكانيكية إلى المعلوماتية، فأصبحت تكنولوجيا المعلومات عاملاً مفتاحياً لرفع القدرات القتالية للقوات المسلحة، وأصبحت مواجهات النظم ميزة رئيسة للمواجهة في ميادين القتال، وصارت العمليات غير المتماثلة وغير المتصلة، واللاخطية أساليب هامة للعمليات .
وتعمل الدول الرئيسة في العالم على تعديل استراتيجياتها الأمنية والعسكرية وتطوّر الأسلحة والتجهيزات ذات التكنولوجية العالية والجديدة، وتبدع نظريات عسكرية وتسرع في تحويل الجيوش، ومازالت تتسع الفجوة بين التكنولوجيا العسكرية القائمة على المعلومات والميكانيكية أو شبه الميكانيكية، فيتفاوت ميزان القوى العسكرية في العالم أكثر فأكثر، ويتضح بصورة أكثر دور القوة العسكرية لصيانة أمن الدولة.
تتشابك مشاكل الأمن التقليدية وغير التقليدية، وتزداد التهديدات غير التقليدية للأمن يوماً بعد يوم، تهدأ بعض النقاط الساخنة الإقليمية، ويتعمّق التعاون في الأمن الإقليمي تدريجياً، وتُحرز مكافحة الإرهاب الدولي تقدماً، ويتعزّز التعاون الدولي في مجالات الأمن للمعلومات والطاقة، والأعمال المصرفية، والبيئة، بالإضافة إلى ذلك، تتعزّز الجهود الدولية باستمرار في تسديد الضربات إلى الجرائم عابرة القارات والوقاية من انتشار الأمراض السارية الخطيرة، وتخفيف وإغاثة الكوارث، ولكن العالم مازال يفتقد للسلام والطمأنينة، فتتفاعل النزاعات الجيوبوليتيكة والقومية والدينية .. وغيرها من الاشتباكات مع تناقضات سياسية واقتصادية، مما يؤدي إلى حدوث حروب جزئية واشتباكات مسلحة من حين إلى حين، وتتكرر نشاطات النفوذ الإرهابي الدولي. فمن الصعب أن يستأصل مصدر الإرهاب استئصالاً جذرياً، لذا ستكون مكافحة الإرهاب مهمة شاقة طويلة الأمد للمجتمع الدولي، من هنا تأتي حرب المعلومات العسكرية لتكون معلماً هاماً من معالم المشهد الدولي اليوم، وهذه المقاله تتناول هذه الحرب من حيث مفهومها، ومشتملاتها، ومبادئها، وأدواتها، وأشكالها، وأسباب فشل العمليات الاستخبارية، ثم تتناول مستقبل التجسس في ظل حرب المعلومات.
المعلوماتية نواة تطوير الجيوش
بناءً على هدف بناء الجيش المعلوماتي وكسب النصر في الحرب المعلوماتية، تقوم الجيوش العسكرية اليوم بتعميق الإصلاح وهي عازمة على الإبداع، وتوطيد بناء النوعية في سبيل دفع تقدم التغييرات العسكرية باتخاذ المعلوماتية نواة .
لقد أظهرت الحملة على أفغانستان والعراق الثورة في الشؤون العسكرية، واستخدام الحاسبات الإلكترونية ووسائل الاتصالات الحديثة والمستشعرات، والأسلحة المتطورة، وجميعها أدخلت تحسينات كبيرة على العمليات العسكرية، وزادت من سرعة دورة الزمن في الشؤون الحربية. ويرى الخبراء أنه في المستقبل سيتم التركيز بصورة خاصة على كل الطرق والوسائل للحصول على المعلومات. وتنوي الولايات المتحدة إن لم تكن قد بدأت فعلاً وضع وسائل استطلاع ومراقبة في أجزاء كبيرة من العالم تدّعي أن بها خلايا إرهابية يمكنها أن تهدد المصالح الأمريكية، وزيادة قدرات الاستطلاع، وتعني المراقبة أقماراً اصطناعية أكثر وطائرات تجسس على ارتفاعات أعلى، وطائرات موجّهة بلا طيار، مثل: الطائرة الموجهة (جلوبال هوك)، التي استُخدمت بنجاح في أفغانستان، ويبدو أنها ستنال اهتماماً أكبر من غيرها لمداها الكبير وقدرتها على التحليق لفترة زمنية طويلة وتحمل عدداً ملموساً من المستشعرات، وكذا الطائرة الموجهة بلا طيار (بديديتور)، ويعتقد المراقبون أن هاتين الطائرتين تمثلان عصراً جديداً لتحويل الإنسان البشري إلى إنسان آلي في الشؤون العسكرية.
حرب المعلومات
المفهوم المشتملات المجالات المبادئ الأدوات لم يتم التوصُّل إلى الآن إلى تعريف متفق عليه لحرب المعلومات، ولا يوجد تعريف جماعي محل إجماع، ولكن يمكن القول إن هناك تعريفات إجمالية لحرب المعلومات من المؤسسة العسكرية الأمريكية:
أ-التعريف الأول: يقول (لايميت بيج) مساعد وزير الدفاع الأمريكي لقيادة التوجيه والاتصالات إن حرب المعلومات هي الأعمال التي تُتخذ لإحراز التقدم المعلوماتي لدعم الاستراتيجية العسكرية، وذلك بالتأثير على معلومات الخصم، ونظم المعلومات، ورفع فعالية معلوماتنا، ونظام الدفاع عنها. وهذا التعريف قد ركّز على حرب المعلومات من منظور القوة فقط مع افترض ضرورة إحراز التفوق المعلوماتي وهو افتراض قد لا يتحقق بصورة مطلقة.
ب-التعريف الثاني: تعريف القوات الجوية الأمريكية لحرب المعلومات، ويقول ذلك التعريف: إن حرب المعلومات هي أي عملية من شأنها استغلال، أو إتلاف، أو تحطيم معلومات العدو ووظائفها مع حماية أنفسنا من مثل هذه الأعمال من جانب العدو.
ويركّز هذا التعريف على النواحي العسكرية، وباستخدام مصطلح العدو بالتحديد، ويبدو أن هذا التعريف يستبعد أي عمل غير عسكري بل يستبعد حتى حرب المعلومات التي قد تستخدم في مجالات أخرى متعددة ووفيرة، يمكن القول إن هذا التعريف يركّز على طبيعة العمل وحدها وليس كيفية القيام به.
ج-التعريف الثالث: تعريف الجيش الأمريكي وهو يقول، إن حرب المعلومات هي الأعمال التي تتخذ لتحقيق تفوق المعلومات عن طريق التأثير على المعلومات المعادية والعمليات المبنية على هذه المعلومات ونظم هذه المعلومات، وفي الوقت نفسه حماية معلوماتنا والعمليات المبنية عليها وحماية نظم معلوماتنا .
وهذا التعريف هو أفضل التعريفات والذي لاقى قبولاً من عدد كبير من الدارسين والمحللين لشموله، ولكونه أكثر تحديداً لمجالات حرب المعلومات واستخدامه مصطلح نظم المعلومات قد جعل مجال المعلومات، أكثر اتساعاً، بحيث تتضمن كلا من المعلومات الخام، والعمليات المبنية على المعلومات، كما يلفت النظر كذلك إلى الناحيتين الهجومية والدفاعية. وجميع هذه التعريفات كما سبق أن ذكرنا تعريفات من المؤسسة العسكرية الأمريكية.
المفهوم الاستراتيجي لحرب المعلومات
المفهوم الاستراتيجي لحرب المعلومات كان موضع نقاش حتى منتصف التسعينيات، وكانت الدراسات الخاصة بالموضوع تشير إلى مجموعة من البرامج الخاصة بالدفاع والأمن القومي، أو إلى برامج تسليح يمكن الاستفادة منها في تسديد ضربة ضد الأهداف المعادية، وبعد ذلك ظهر تعريف أكثر تحديداً يذكر أنه نوعٌ من الأساليب غير القاتلة التي يمكن أن تؤدي إلى إضعاف، أو شل القدرات المعلوماتية الهامة للعدو من حيث الترابط والمراقبة وتحليل المعلومات، وتتبع العلاقة بين هذه العمليات المعلوماتية الثلاث بما لها من تأثير على قدرات البنية الأساسية لقيادة العمليات في اتخاذ وإصدار وتنفيذ القرارات التي تتعلق بإدارة المعركة في الوقت المناسب .
مشتملات حرب المعلومات
إن الحرب المعلوماتية إما أن تكون تعرضيه (هجومية)، أو دفاعية، وطبقاً للاستراتيجية والسياسة المخصصة يتم تحديد طبيعة حرب المعلومات المتبعة، وغالباً ما تستخدم هذه الاستراتيجيات في كلتا الحالتين، نظراً لما تشمله حرب المعلومات الدفاعية من أعمال وهجمات مضادة تتصف بصفة الهجوم .
(أ) حرب المعلومات الهجومية
1- يتمثل هدف حرب المعلومات في الامتلاك والسيطرة على عملية الترابط لدى العدو، وفي تطبيق استراتيجية السيطرة على اتصالاته، ويتم ذلك من خلال القيام بدور (حارس البوابة) لهذه العملية، وبالتالي فإن أفضل استراتيجية هي التحكّم سراً في عملية الترابط لدى الطرف الآخر مع الإبقاء على ثقة هذا الطرف في نظام الترابط الخاص به، وفي هذا المجال يحاول المسؤولون عن حرب المعلومات فرض السيطرة على قدرات c41، وحث الطرف الآخر على اتباع تعليمات نابعة من سلطة القيادة، والعمل بها بعد أن يكون (حارس البواية) قد نجح في التلاعب بها، وبهذا يمكن الحصول على التفوق المنشود على الطرف الآخر ومن ثم فرض السيطرة عليه .
2- تتضمن حرب المعلومات الهجومية وضع الخطط واتخاذ كافة الإجراءات لإتلاف، أو تزييف، أو سرقة، أو تدمير المعلومات المسجلة، أو المتداولة على أنظمة الحواسب والاتصالات المستخدمة في نظم المعلومات، والقيادة، والسيطرة الآلية لدى العدو، وعلى مختلف المستويات الاستراتيجية والتعبوية والتكتيكية لمختلف أنواع القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، وفي كافة المجالات العسكرية والمدنية.
ويعتمد نجاح ذلك على الآتي :
أ المعرفة الدقيقة للبنية المعلوماتية لدى العدو .
ب أسلوب تدفّق المعلومات خلال قنوات الاتصال لدى العدو .
ج المعدات المستخدمة لدى العدو والمواصفات الفنية لها .
د التطبيقات والبرامج الأساسية المستخدمة في النظم الآلية لدى العدو
المتابعة المستمرة لأي تحديث لهذه البيانات وملاحظة تطوره.
(ب) حرب المعلومات الدفاعية
1- إن أهم ما يخشاه المخططون هو التهديد الناجم عن احتمال نجاح (حارس البوابة) لدى الطرف الآخر في التلاعب، أو خلال تلوث ناتج عن مراقبة استراتيجية، ولهذا تقوم كثير من الدول المتقدمة بوضع معايير وضوابط للمسائل المتعلقة بنقل التكنولوجيا، ووضع سياسة وقائية للابتكارات التكنولوجية ذات الطابع العسكري، وخصوصاً تكنولوجيا حرب المعلومات.
2- وتتضمن حرب المعلومات الدفاعية الآتي :
(أ) وضع الخطط الأمنية والفنية واتخاذ كافة الإجراءات التي تهدف إلى تأمين المعلومات المسجلة والمتداولة على الحواسب وأنظمة الاتصالات، أو غيرها من التعرُّض لأخطار السرقة، أو التدمير، أو التزييف .
)ب) حماية الأنظمة التي تحوي أو تنقل تلك المعلومات من أخطاء التعطيل والتدمير.
)ج) حماية نظم التسليك التي تعتبر الحواسب الآلية وبرامجها جزءا رئيساً من عملها.
أشكال حرب المعلومات
أشار الدكتور (مارتن ليبيكي) من جامعة الدفاع القومي الأمريكي إلى سبعة أنواع لحرب المعلومات وهي :
1- حرب القيادة والسيطرة
2- الحرب الاستخبارية.
3- الحرب الإلكترونية.
4- حرب العمليات النفسية .
5- حرب قراصنة المعلومات.
6- حرب المعلومات الاقتصادية .
7- حرب المعلومات الافتراضية.
وعلى الرغم من وجود الكثير من الدراسات والأبحاث والمناقشات ذات الصلة بمفهوم حرب المعلومات، إلاّ أنه يوجد الكثير من التعقيدات والمشاكل للتفريق بين ما هو حقيقي، وما هو محض توقعات. لكن هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى حقيقة ما أفرزته وستفرزه التقنية الحديثة. إن الوصول إلى تعريف جازم وصحيح في هذه الفترة من تطور التقنية سيؤدي إلى صياغة سياسات غير مكتملة النمو، لما هو حرب معلومات وما هو غير حرب معلومات. على كل حال، فإنه من الأهمية وضع بعض التعريفات التي ستساعد في الوصول إلى تعريف أدق وأشمل، وهذا لا يتأتى إلاّ بتفصيل كل نوع سابق فيكون التعريف الشامل الذي يتضمن جميع هذه الأنواع. .
أنتظرونا في الحلقة الثانية ::: حرب المعلومات العسكرية ..أسباب الفشل الاستخباراتي