تعرف على الخداع وأهميته في الحرب — شؤون عسكرية وأمنية

تعرف على الخداع وأهميته في الحرب

تعرف-الخداع-أهميته-الحرب

بقلم : عميد ركن متقاعد بشير محمد رمضان

الخداع أو المخادعة هو إظهار غير ما فى النفس، يقول الله عز وجل فى كتابه الكريم «يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون» (1). وأثناء الحرب يعتبر الخداع سلاحا فعالا إذا هيّئت له الظروف المناسبة واستخدم بشكل صحيح. وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأهمية فقال: «الحرب خدعة».

 صور من الخداع فى بعض الحروب

1.إخفاء أغراض تحشد القوات مع جعل العدو يشعر بالأمان الزائف:

-حشد الرسول صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف مقاتل، عند فتح مكة المكرمة، ووصل بهم بالقرب منهاعلى نحو لم يتفطن معه الكفار لشيء من هذه الحشود، حتى فوجئوا بها وهي تدخل عبر أربعة محاور.

-فى حرب سنة 1967 قامت إسرائيل بحشد 16 لواء على الجبهتين الأردنية والسورية، ولم تحشد شيئا من ذلك على الجبهة المصرية، وقبل يوم 5 يونيو نقلت 13 لواء خلال 36 ساعة للجبهة المصرية وبذلك تمكنت من احتلال سيناء حتى مشارف القناة، وقد احتلت الضفة الغربية وهضبة الجولان ببقية الألوية.

2.المحافظة على النوايا مع تحويل نوايا العدو بالاتجاه المعاكس: فى حرب 67 كانت التصريحات الصادرة من القيادات الإسرائيلية، تفيد بعدم وجود أي نية لديها في خوض الحرب أو في شن أي هجوم، وهو ما جعل القيادات العربية لم تقم بأخذ زمام المبادرة لعمل أي هجوم، وفى يوم 5 يونيو قامت القوات الجوية الإسرائيلية بالهجوم على مصر، فيما تقدمت القوات البرية الإسرائيلية باتجاه سيناء والأردن ومرتفعات الجولان السورية.

3.عمل مضلل يقود إلى المباغتة: فى حرب اكتوبر1973 قامت قيادة القوات المصرية بالكثير من الأعمال التضليلية قبل عبور القناة وبعده، ومن ذلك :

-بناء سواتر ترابية مشابهة لخط بارليف على امتداد الضفة الغربية من القناة، ولم تهتم إسرائيل بذلك، بينما استطاع المصريون منها مراقبة التحركات الإسرائيلية ونقاط نيرانهم كما استخدمت هذه السواتر لتغطية تحركات القوات والمعدات وتخللت هذه السواتر فتحات منخفضة استخدمت كنقاط للعبور ولغرض إطلاق النيران. (2)

- القيام بتحركات عسكرية كبيرة على الضفة الغربية للقناة، إلا أن إسرائيل افترضت أنها مجرد مناورات تدريبية عادية، وبهذا تمكّن المصريون من تحريك من 70 إلى 80 ألف من قواتهم بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الدبابات والمعدات إلى ضفة القناة. (3)

- بعد دراسات مستفيضة للتواريخ والتوقيتات تم اختيار شهر أكتوبر، واختيار يوم السبت لأنه يوم مقدس عند اليهود، فيه ينامون فى بيوتهم أو يكونون فى المعابد، ويقال أن هذا اليوم سرع فى استدعاء الاحتياط الإسرائيلى.

- عندما قامت القوات الجوية الإسرائيلية بالهجوم على المفاعل النووي العراقي، ذهبت فى خط سيرها بين الأجواء السعودية والأردنية، ولم تقم بالهجوم عبر الأجواء الفلسطينية الأردنية العراقية وهى أقرب مسافة وكان ذلك للتضليل.

- كانت أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أنه سيقوم بالغزو ولكنه لم يفصح عن المكان، وأعلن بأنه ينوى مكانا آخر حتى يفاجئ من ينوي فقد فاجأ (خيبر) فى الصباح فكانوا يصيحون علي، والخميس(علي كان قائد الجيش، والخميس هو الجيش)

- كانت جميع الاستعدادات فى الجانب المصري تهدف إلى القيام بالهجوم للعبور إلا أن العدو تأقلم بأن كل ذلك ليس إلا للتدريب فقط حتى ففوجئوا بالعبور يوم 1973/6/10.

- قامت القيادة الروسية فى ستينيات القرن الماضي بعدة أعمال تهدف من ورائها بأن شئ ما ستقوم به اتجاه تشيكوسلوفاكيا، وفجأة تم إنزال القوات الروسية فى مطارها، مما أذهل القيادة التشيكوسلوفاكية والعالم .

العناصر التى تحقق المخادعة الناجحة 

1. العلم: لوضع خطط خداع ناجحة يجب أن يكون التخطيط لها مبني على علم ودراية بأساليب العدو الحربية (تدريباته، مناوراته، هجومه، وخداعه) ومعرفة لجوانبه الإستراتيجية، والاقتصادية، والصناعية، والنفسية، والاجتماعية.

2.  الرجال الذين يكلفون بالمخادعة: يجب أن يكونوا ممن يعتمد عليهم فى تنفيذ إجراءات المخادعة حتى لا يشك العدو فى أعمالهم، ففى غزوت الأحزاب كان لأحد المسلمين والذى لم يعرف الكفار بإسلامه بعد،الدور الكبيرفى خداع أبو سفيان   واليهود وإقناعهم بالرجوع ،والإنسحاب من المعركة،(وكفى الله المؤمنين القتال)   

3.الأجهزة السلكية واللاسلكية والشفرات والأجهزة الكترونية الحديثة وسائر أنواع الاتصالات يجب تجهيزها وتسخيرها لمخادعة العدو.

4. التجهيزات التمويهية الكاذبة ويستغل فيها أجسام الدبابات والطائرات والمدفعية  مع توفير قوات معها لتقنع العدو بحقيقتها، وتستعمل لصرف إنتباه العدو عن المواقع الحقيقية لقواتنا. وقد تمكن منتجمرى بخداع رومل بمثل هذا العمل .

5.الاستفادة من العلاقات الدولية : لتحيد بعضها وتمرير المخادعة عن طريق بعضها الآخر.

شروط نجاح خطة المخادعة

1.شخصية القائد: يجب أن يكون مهاب الشخصية، ذا فكر متوقد ورأى سديد وعلى إطلاع واسع بالعلوم العسكرية وغير العسكرية.

2. يجب أن لايتم انتهاج أساليب وخطط طبقت من قبل وإنما يجب التجديد مما يجعل العدو فى حيرة من أمره.

3. يجب أن لا يأخذ إعداد خطة المخادعة وإجراءات تنفيذها وقتا طويلا ،لأن ذلك ربما يقود العدو لإكمال ترتيباته، ويجب أن تكون هناك بدائل لها لتطبيقها فورا إذا ماكشفت.

4. يجب ان لا يتم التركيز على جانب واحد من جوانبها مما قد يلفت إنتباه العدو، وإنما تتم على أكثر من جانب كهجوم بري فى جانب وإنزال بحري فى جانب أخرى، وهكذا..

5. يجب أن تكون خطة المخادعة مستورة عن العدو ومحاطة بالسرية والكتمان، وأن تبنى على الاحتمالات المتوقع أن يرد بها العدو، وقد انتهج منتجمري هذا الأسلوب فى معاركه فى شمال أفريقيا ضد المحور فحقق كثيرا من النجاحات.

6. العمل على شل إستراتيجية العدو وعدم تمكينه من معرفة اتجاهات للضربة الرئيسة ، كما أن ذلك يؤدي إلى تشتيت أفكاره وبالتالي قواته .

7. استخدام العامل النفسي للتأثير على العدو: ويتم ذلك على سبيل المثال بتدريب بعض الأفراد أو المجموعات أو القطاعات تدريبا ممتازا للقيام بمهام يتحقق فيها النجاح والهدف من وراء ذلك هو خلق شعور بأن جميع قواته على هذا المستوى من الكفاءة والتدريب .

النتائج المراد تحقيقها من قبل المخادع

1.كسب النصر بأسرع وقت ممكن .

2.الإقلال من الخسائر البشرية والمادية كانت الخسائر المتوقعة فى القوات المصرية قبل العبور 70% ،فأصبحت 1 % تقريبا بفضل الله عزوجل .

3.كسب المبادأة  وإجبار الطرف الأخر للعمل وفق رغائب الطرف المخادع .

4.رفع الروح المعنوية للقوات وإعادة ثقتها بنفسها وهو ماتحقق للقوات المصرية.

الوسائل المرفوضة في المخادعة 

جاء فى الماد (24) من اتفاقية (لاهاي) للحرب البرية عام 1907: (أنه يجوز للدول أن تلجأ أثناء الحرب إلى استخدام خدع الحرب شريطة ألا تتسم بالغدر والخيانة وأن لاتخل بالواجبات الدولية.

ومن الأمور المخلة بالشرف هى:

1.التظاهر بالتسليم خداعا للعدو كرفع راية بيضاء على موقع دفاعى لإيهام العدو بالتسليم حتى إذا أطمأن واقترب من الموقع المذكور انهالت عليه جميع الأسلحة.

2.استعمال أعلام العدو وإشاراته وملابس جنوده مما يمكن من التسلل إلى صفوفه.

3.استعمال إشارات الهلال أو الصليب الأحمر لأغراض القتال، وقد حرمت اتفاقية جنيف الأولى والثانية عام1947 هذا التصرف، وكذلك من قبلها اتفاقية جنيف لعام 1929.

4.الإخلال باتفاق دون سابق إنذار من أجل مباغتة العدو.

5.قطع الرأي لمبعوث ثم العمل خلاف ذلك.

_________________            

(1) سورة البقرة الآية 9   

(2) وثائق حرب أكتوبر –موسى صبري – المكتب المصري الحديث  ص387 بتصرف

(3) المصدر نفسه ص387 بتصرف

 تنبيه تم الاسترشاد فى بغض فقرات هذا الموضوع بكتاب المخادعة ومعاركها الكبر ى للواء الركن المتقاعد الحارث.