القوات البرية نقطة ضعف أساسية في الأداء العسكري الإسرائيلي — شؤون عسكرية وأمنية

القوات البرية نقطة ضعف أساسية في الأداء العسكري الإسرائيلي

القوات-البرية-نقطة-ضعف-أساسية-الأداء-العسكري-الإسرائيلي

الخطط متعددة السنوات “الخطط الأركانية” في العقد الأخير تمحورت حول أهمية وضرورة تطوير القوات العسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بقواتها البرية في إطار الدروس والعبر التي أسفرت عنها حرب لبنان 2006، وحروب غزة ( 2008 – 2012 – 2014 - 2021)، وانعكست في تقرير لجنة فينوغراد وتقارير مراقب الدولة عن أوجه التقصير التي كشفت عنه هذه الحروب، وخصوصاً في مجال عمل القوات البرية وأدائها، وأيضاً في ضوء الدروس والخبرات المكتسبة من الحروب الإقليمية الدائرة في المنطقة، وما حدث من تطويرات تقنية متسارعة في أنظمة التسليح والمعدات الحربية على الصعيد العالمي .

يكثر الحديث في الأوساط العسكرية الإسرائيلية حول اعتبار ان القوات البرية نقطة ضعف أساسية في الأداء العسكري الإسرائيلي للأسباب التالية:

1- التحولات في نمط الحروب والتهديدات

تعد أزمة سلاح البر في الاستراتيجية العسكرية، ناتجة من التحولات والتغيرات في نمط الحروب الجديدة، ولاسيما في ظل النقاش في شأن إعادة الاعتبار إلى القوات البرية، وفق العبرة الأمريكية التي تقول، بحسب تجربة أفغانستان، هي عدم إمكان حسم المواجهة أو الحرب من دون تدخل القوات البرية وتحديثها في المواجهات العسكرية، بعدما تغيرت ميادين القتال، وتمكن العدو الحالي، حركة حماس وحزب الله من إبطال كثير من فاعلية الجيوش البرية الإسرائيلية بفعل توزيع نقاط الانتشار لقواتهما على مساحة واسعة من أرض لبنان وغزة، إذ لم تعد هذه الجيوش قادرةً على توغل بري يستطيع شل قدرة العدو، أو إبطال قدرته الصاروخية، ومنع استمرار المواجهة وضرب العمق الإسرائيلي.

كما أن هناك دوراً في طبيعة التهديد الذي يواجه العدو القائم على سلاح المشاة والمدفعية القوسية والمباشرة لدى قوى المقاومة والتي لا يمكن أن يتم تأكيد تحييدها إلا عبر سلاح مشاة العدو الذي فيه مشاكل بنيوية كثيرة، والاعتماد الزائد عن الحد لدى العدو على أتمتة القدرات القتالية والتدمير عن بعد، الأمر الذي يمكن تجنبه عبر عمليات الدفاع السلبي من قبل المقاومة أو الاشتباك مع العدو ضمن مسافات الأمن للأسلحة النوعية مدفعية، سلاح طيران، صواريخ، وعليه لا يمكن تأكيد تحييد قدرات المقاومة إلا عبر سلاح المشاة، أيضا العقيدة القتالية لدى قوى المقاومة قائمةً على نظرية الحرب غير المتكافئة والتي عمادها مواجهة القدرات المتطورة بقدرات أقل تطور منها مما يفقد الأولى نقاط قوتها، وهنا يفقد العدو نقاط تميزه وليس أمامه سوى سلاح المشاة لحسم به، وهو نقطة ضعفه .

ظهر لافتاً، ان هذه القفزات المتناقضة في الخطط والمفاهيم العسكرية، مرتبطة بالتقدير الإسرائيلي بالتحولات على الخارطة التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل، بالماضي كان يعتبر الخطر الأساسي هي الجيوش النظامية لذلك تم التركيز على سلاح المشاة وبعد ذلك تم إهماله عندما توصلت إسرائيل إلى اتفاقات سلام مع مصر وتفكك الجيش السوري وتراجع التهديد العراقي، وأصبحت إسرائيل تواجه تنظيمات من غير الدول بالإضافة إلى ايران التي لا تشارك إسرائيل بحدودها بالتالي خطر العمل البري تقلص بسبب التحول على خارطة التهديدات من نظامية إلى تنظيمات وتهديدات غير تقليدية مثل السلاح النووي والسلاح السيبراني وسلاح الصواريخ التي لا يمكن مواجهتها بسلاح المشاة.

2- قلة الاعتماد على القوات البرية

قلة الاعتماد على القوات البرية أدى إلى ظهورها عند الحاجة إليها في أرض المعركة، بمظهر الضعيف وقلة الخبرة. كما حصل في حرب تموز 2006 ضد لبنان. فوجدنا القوى البرية قليلة الخبرة في التعامل مع المعارك وضعيفةً في الأداء. فلم تستطع القوات السيطرة على قرية واحدة خلال ثلاث وثلاثين يوماً. أيضا خلال الحروب مع غزة وجدنا قوات الاحتلال عاجزةً عن التوغل البري. إذن نحن فعلاً أمام جيش إسرائيلي ضعيف على المستوى البري. وهذه نقطة ضعف كبيرة لهذا الجيش كون ما من جيش في العالم يستطيع الانتصار فقط من الجو.

ونتيجةً لذلك “أهمل الجيش الإسرائيلي عن عمد المتطلبات الضرورية للقتال البري” كما يقول الجنرال “ بريك ”، مؤكداً أنه مع تولي اللفتنانت جنرال ( متقاعد ) دان حلوتس رئيساً للأركان في عام 2005 عانت القوات البرية من إهمال كبير، ما أدى إلى إخفاقات كبيرة في الحرب التي اندلعت مع “حزب الله” في الصيف التالي.

إسحاق بريك مفوض شكاوى الجنود نتاج عدة تقارير أصدرها بعد حربي 2006 في لبنان و 2014 في غزة بالإضافة إلى نتاج جهده في التفتيش على الجيش، وصل لقناعة بأن سلاح المشاة بكل ألويته المختلفة قد أهمل بسبب ما اعتبر بالجيش الإسرائيلي تغير على طبيعة المعركة، وأن المعركة تعتمد على السلاح الدقيق والحروب السيبرانية، هذا التوجه جعل الجيش يقلص من اهتمامه بتطوير سلاح المشاة، ويرى ان ذلك يشكل خلل استراتيجي .

ومن الجدير ذكره، أنه في العام السابق لمواجهة إسرائيل مع “حزب الله” اللبناني عام 2006، أجريت استقطاعات في الميزانية المخصصة للقوات البرية بلغت 25% عن السنوات السابقة على الحرب، في مقابل زيادة الإنفاق على القوات الجوية. وقد اعتبرت لجنة فينوجراد (المسئولة عن التحقيق في أسباب ضعف أداء الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب) أن إهمال القوات البرية وعدم القيام بدورها بفعالية في الحرب غير المتناظرة ضد “حزب الله” كان من الأسباب المؤدية لهذه الهزيمة الإسرائيلية.

3- الارتباك وسوء التقدير

الإسرائيليون الآن يعتقدون أن المنطقة عموماً والجبهات المتوترة خصوصاً في غزة ولبنان وسوريا وايران، قد تحمل متغيرات جيوسياسية مفاجئةً لصانع القرار العسكري الإسرائيلي، مما يجعل الخطط العسكرية الإسرائيلية في حالة تبدل وتغير على مدار الساعة، هذا يجعلها تدخل في حالة سوء التقدير تارةً والارتباك تارةً أخرى، وبالتالي يأتي التطبيق ترجمةً حقيقيةً لسوء التقدير، لأن ما يسبق الترجمة الميدانية للسلوك العسكري هو وضع الخطة، وإذا شاب هذه الخطة حالة من الارتباك أو سوء التقدير بالضرورة ينجم عنها إخفاق عسكري وفشل عملياتي، وهذا ما تم ملاحظته في حروب غزة الأخيرة 2008، 2012، 2014، فضلاً عن العمليات العسكرية الخاطفة المسماة المعركة بين الحروب في لبنان وسوريا والعراق، نتيجةً لاندماج جملة من سوء التقدير والارتباك والتغيرات الجيوسياسية .

حالة الارتباك في اتخاذ القرارات الأمنية، هي ناتجة من تعود إسرائيل على الانتصارات الخاطفة والحروب السريعة التي يستطيع المجتمع تقبلها وتحملها، لكن الآن في ظل واقع أمني وسياسي واقتصادي معقد وتركيبة ديموغرافية موجودة، إسرائيل لا تستطيع احتمال حروب طويلة، في الانتفاضة الثانية كانت هناك هجرة كبيرة من إسرائيل باتجاه الخارج لسبب بسيط ان المجتمع الإسرائيلي غير مستعد للتضحية في الوقت الذي يستطيع الاستغناء عن هذا الواقع والعيش حياةً هادئةً في الغرب.

بالتالي الجيش الإسرائيلي لا يمتلك رؤيةً أمنيةً واضحةً، لأنه ليس لديه الاستعداد بالتضحية بعدد كبير من الجنود، لان ذلك سيؤدي لردة فعل عكسية سلبية في الداخل الإسرائيلي، إسرائيل لا تريد حرب تكلفها عدد قتلى كبير، حتى لو حققت فيها انتصار لأن لذلك انعكاس سلبي على حياتها وسكانها وعلى قدرتها على الاحتمال، الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير جاهزة لاحتمال مثل هذا الموضوع .

على الجانب الآخر، إسرائيل تخشى من المفاجأة تحديداً في قطاع غزة، صحيح هي تحاصر القطاع وعندها قوة تدميرية عالية، والحقيقة الماثلة وفق التقييم العسكري الإسرائيلي أن المقاومة تعد المفاجآت للحرب القادمة، هذا يربك المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بشكل مستمر، وهم على قناعة أن أي حرب قوية على غزة تعني اشتعال القدس والضفة وربما الداخل الفلسطيني المحتل، لان هناك ترابط فكري كبير، رغم محاولة إسرائيل الفصل بين الأمرين، في حرب 2014 حدثت بعض الأحداث في الضفة وبعدها بشهور بدأت انتفاضة السكاكين التي استمرت قرابة 7 شهور وأثرت بشكل واضح على الاحتلال، وبعد حرب سيف القدس تصاعدت المقاومة في الضفة بشكل لافت.

4- التطورات السيكولوجية لدى العامل البشري

طبيعة التطورات السيكولوجية لدى العامل البشري عند العدو وميله إلى الدعة والراحة وعدم الاستعداد لتحمل الأكلاف البشرية للمعارك، الذي نتج عنه الميل نحو التجنيد والعمل في صنوف القتال التكنلوجية 8200، 504، 9900، أكثر من الصنوف التي تشتبك مع العدو في قتال قريب .

في المقابل الأهل كان لهم دور في تراجع العقيدة القتالية لدى أبنائهم، هذا الأمر ساهم في أن الكثير من الإسرائيليين يفضلون الذهاب للوحدات القتالية التكنولوجية والسايبر فيما الوحدات البرية نسبة المنخرطين فيها قليلة جداً، وأن من يذهب للوحدات البرية هم الفئة الأقل جودة في المجتمع لأنهم لا يجدون فرصةً لهم في وحدات التكنولوجية والسايبر، فكل مقعد بوحدة السايبر يتقدم له ثمانية من الجنود، أما كل مقعد فارغ بالوحدات البرية والمدرعات يتقدم له (نصف) اقل من واحد لكل مقعدين يتقدم واحد فقط .

هناك شعور بالملل من جانب الشبان الإسرائيليين الذين بمجملهم هم من الغربيين الذين يريدون نمط الحياة الغربية والعيش بحرية وانفتاح، ويشاهدون التناقضات داخل المجتمع الإسرائيلي من فساد سياسي وامني واقتصادي، ويتساءلون إلى متى سيستمر القتال، وأن كيانهم لم يستطع الحصول على الشرعية وهي مستمرة بهذا الوضع، هذا الأمر ساهم بشكل أساسي بعدم رغبة المتجند بتقديم نفسه في سبيل الوطن في ظل التناقضات الداخلية الموجودة، عن هذه القضية قال إلى يشاي في كتاب إسرائيل إلى أين : ان المنتمين لإسرائيل فقط هم 25% من السكان و 75% لا ينتمون لها.

كما ينشر قسم الموارد البشرية في الجيش معطيات سنويةً عن أفواج المجندين، وأكدت تقاريره للسنوات الأخيرة أن الشبيبة اليهودية غدت أقل حماسةً للتجنيد، وأقل رغبةً للانخراط ضمن وحداته القتالية، وذلك لهذه الأسباب:

1- انخفاض مكانة الخدمة العسكرية بوصفه تعبيراً عن الانتماء للدولة.

2- عدم تحقق الوعود بحسم الحروب التقليدية دون دماء وعرق ودموع، وعدم بناء روح قتالية.

3- تصاعد معدلات “العلمنة والأمركة والتوجه نحو اللذة في إسرائيل“، وتحولها إلى “مجتمع الثلاثة V” “الفيديو والفولفو والفيلا“، وظهور الإسرائيلي الذي ينصرف عن الخدمة العسكرية ويفر منها.

خلاصة القول، نلحظ من خلال استعراض العقيدة القتالية الإسرائيلية، أنها في غضون عقد زمني خضعت تقريباً إلى خمس مراجعات متتالية، كان واضحاً فيها التركيز على التفوق الجوي، وانعكس ذلك تدريجياً على إهمال نسبي للقوات البرية؛ إذ سادت قناعة لدى القيادات العسكرية بأن المناورة والمعركة البرية تنتمي لحروب الماضي، ولهذا كان اهتمامهم الأكبر بتحديث وتقوية القوات الجوية، لتصبح أساس ومحور التحديث الفعلي في الجيش الإسرائيلي. وبمعنى آخر، أصبح الإدراك الإسرائيلي للمفاهيم الجديدة حول مستقبل الحرب مفاده أنه لن تكون هناك “حروب كبيرة وعالية الشدة”. وفي حالة حدوث مثل هذه الحروب فإنه ينبغي محاربتها – على الأرجح – بمعلومات استخبارية عالية الجودة، ومن خلال استخدام قوة نيران طويلة المدى يتم الاعتماد فيها على القوات الجوية لتدمير أهداف العدو.