بشير الوندي يكتب: مباحث في الاستخبارات .. الاستخبارات الوقائية — شؤون عسكرية وأمنية

بشير الوندي يكتب: مباحث في الاستخبارات .. الاستخبارات الوقائية

بشير-الوندي-يكتب-مباحث-في-الاستخبارات-الاستخبارات-الوقائية

مدخل لمحاور العمل الاستخباري

يقسم العمل الاستخباري بالقياس الى طبيعة جغرافية عمله الى ثلاثة محاور هي الاستخبارات الوقائية (الجنائية الداخلية ) والاستخبارات الدفاعية , واخيراً الاستخبارات الهجومية , ولكن جغرافية العمل الاستخباري تتبعها بالضرورة , كما سنرى , اختلاف المهام وسبل العمل للمحاور الثلاث , ولكنها تتطابق باسلوب معالجة واحد يعتمد على جمع وتحليل وتدقيق ومن ثم تحويل المعلومة الى القيادة لتنتج عنها قرارات مصيرية .
ان مانعنيه بالتقسيم الجغرافي للمحاور الاستخبارية , ان هنالك استخبارات هجومية مهمتها اختراق العدو في عقر داره وخرق معلوماته وزرع العملاء في نظامه بمثابة فيروسات تسعى لتحطيم العدو واستحصال بياناته , وبطبيعة الحال فإن مجال عمل تلك الاجهزة هي خارج حدود الوطن.
كما نعني بالاستخبارات الدفاعية , هي الاستخبارات المعنية بصد محاولات العدو لاختراق منظوماتنا الوطنية وعرقلة عملها عبر اراضينا وموسساتنا , والعناية بكل انواع الجرائم التي لها امتدادات الى خارج الوطن , فيما نقصد بالاستخبارات الجنائية بانها المعنية بالجرائم التي لها محدودية جغرافية على ارض الوطن .
والحقيقة فان هنالك خلط كبير بين الاستخبارات الدفاعية والاستخبارات الوقائية الجنائية, حيث تبدو متشابهة في بعض الاحيان , والفرق بين الاثنين واضح , فكل جريمة داخلية بحاجه الى استخبارات وقائية, وكل جريمة لها بعد يتعدى الحدود فانها تكون بعهدة الاستخبارات الدفاعية, وتدمج بعض الدول المحورين في تشكيل واحد ك (الاف بي آي في امريكا) , فهو يقوم بدور استخبارات وطنية على محورين وقائي ودفاعي.
فالاستخبارات الدفاعية يجب ان تذهب للاستخبار عن الجرائم المتواصلة خارج نطاق اقليم الدولة داخله او خارجه من جغرافيا البلد .كغسيل الاموال , الاتجار بالبشر , الجريمة المنظمة الممتدة الى الخارج , تجارة المخدرات, الارهاب.
اما الوقائية فهي تنحصر داخل اقليم الدولة. كتزييف العملة , الغش , الفساد الاداري , الفساد المالي , الجرائم الجنائية , التربح غير المشروع , التزوير , السلاح , السرقات , السطو المسلح , الجرائم الخادشة للسلوك العام , انتحال إلصفة, الخطف , التنظيم العصابي وماشابه....
اما في العراق فان المشكلة برأينا , اننا قمنا بتقطيع اوصال الاستخبارات الوقائية الى قطع صغيرة لم يعد يجمعها جامع فلم تعد لدينا مرجعية استخبارية ولامركز للمعلومات الوطنية , وهو مانسعى الى الاهتمام بتشكيله في مقالنا هذا .


الاستخبارات الوقائية

ان ما نقصده , كما اسلفنا هي شبكة الاستخبارات الواجب انتشارها على مبدأ الوقاية خير من العلاج, وان تكون مساحة عملها داخل اقليم الدولة , حيث تدقق وتراقب الاداء الحكومي والسلوك العام والمتجاوزين على المال العام, ومراقبة اي سلوك غير قانوني ولااخلاقي , ينتشر بين بعض الفئات العمرية للشباب مثل المخدرات والممنوعات , فلابد من وجود مؤسسة استخبارية تراقب وترصد هذا السلوك , وتتعرف على الممولين والبائعين والناقلين, كما ترصد الانحراف الفكري الذي تقوم به المنظمات الارهابية من تجنيد واصطياد الشباب في شباكها وبث روح الكراهيه فيهم .
فمن الواجبات المهمة التي يجب على الاستخبارات الوقائية معرفتها والبحث والترصد عنها هي ..الجريمة , الجريمة العصابية , الاحتكار , التهريب , التهرب الضريبي , الفساد الاداري , الفساد المالي , الاختلاس , الاضرار بالممتلكات العامة , السرقة, المخدرات , تجارة الاعضاء البشرية , التزوير , خدش السلوك العام , التعدي , تهديد أمن المواطنين , نشر التطرف, التلاعب بالعملة , التربح غير المشروع , قطع الطرق , تلوث البيئة , السطو المسلح , تجاره السلاح, وغيرها من الجرائم والاعمال التي تقع على عاتق الدولة والمناط بالحكومة مراقبتها ومكافحتها, مايعني ان الاستخبارات الوقائية هي التي تحصّن اقليم الدولة والشعب والحكومة.

 
الاستخبارات الوقائية في العراق

لدينا في العراق مكتب جمع معلومات في كل دائرة وهيئة ومؤسسة ووزارة , ففي هيئة النزاهة مثلاً هنالك مكتب للمعلومات , و في مكاتب المفتشين العموميين هنالك مكاتب معلومات , وايضا في ديوان الرقابة المالية وكذلك في البنك المركزي, وفي وزارة الداخلية هنالك وكالة استخبارات للداخلية , والتي يجب ان تخصص الكثير من عملها لمكافحه الجرائم . ايضا في مراكز الشرطة هناك تحريات , وضابط امن المنشاة ايضا لديه قسم استخبارات يجمع له المعلومات, و لدينا في كل مؤسسة حكومية مكتب للتصاريح الامنية, وهو الذي يقوم بتقييم صلاحية الموظفين امنياً وسلامة موقفهم الامني وتعتمد هذه المكاتب بالاساس على جهاز الامن الوطني , وحتى الادلة الجنائيه هي استخبارات جنائية و التحريات والمراقبة الالكترونية ( الكاميرات )في الدوائر, كلها انواع من الاستخبار, وكذا الاشراف القضائي نوع من انواع الاستخبار حول اداء القضاة .
ان كل مكتب من تلك المكاتب بحاجه الى مركز معلومات استخباري, يوثق كل حالات الجمع العام , ليكون مركزا قادرا على دعم النشاط الامني.
اي ان لدينا مكاتب امنية تخلط بين الامن والاستخبارات في كل دائرة من اصغر حلقة الى اهم وزارة امنية , ولكن المشكلة ان تلك المكاتب , كما قلنا, مقطعة الاوصال وتعمل بشكل منفصل بمعلومات ناقصة واحادية وضمن نطاقات ضيقة , وبالتأكيد فان مخرجات تلك المكاتب هي دوماً ضبابية وذات فائدة محدودة .
فلو ان موظفاً في مركز ودائرة حساسة خطيرة , زاره شقيقه او زاره صديق, كيف للمكتب الامني للدائرة ان تعلم ان هذا الزائر هو من تجار المخدرات الخطرين الواجب تحديد تحركاتهم ومنعهم من الدخول الى الدوائر الامنية الحساسة , ومن اين للدائرة ان تعلم ان للموظف هذا شقيق يمثل خطورة على العمل الامني ؟ الجواب : لااحد , والسبب , ان هذه المعلومة موجودة في مكان اخر ودائرة اخرى , ومن ثم لاجامع بين المعلومتين , ولااحد يستطيع درء المخاطر المحتملة , ولنا ان نضرب عشرات الامثلة على تشابك المعلومات الاستخبارية وتشتتها .
ومن هنا نحن نبحث عن وعاء جامع للمعلومات الاستخارية يجمع كل شيء داخل البلاد , ويتيح للمكاتب الامنية ان تنهل منه حاجتها , و لا نناقش تأسيس مؤسسات استخبارية من حيث الهيكلية , لان المؤسسات الاستخبارية تختلف من دولة الى اخرى, لكن مايهمنا هو تبيان الاهداف وشرح الوظائف وتقسيم الادوار وتجنب التكرار والتداخل.ان وجود مركز ومرجعية استخبارية لكل الجهد الاستخباري الداخلي , يعد ضمانة لتركيز الجهد والقيادة والسيطرة ودراسة المخاطر والتحذير منها ومطارده المشاكل قبل تحولها الى ظواهر , كما انه سيكون مركزا للتوجيه والتدريب وتوحيد العمل ورسم السياسات ومنع التكرار بين الاجهزة, فتمركز قاعدة البيانات وتبادل الجهد الاستخباري سيقلص المسافات وينسق الجهود, فلا يمكن للامن ان يتحقق بدون استخبارات حقيقية تُصب فيها كل المعلومات عن الافراد من المخالفة المرورية الى الشبهات المصاحبة للنشاط .
ان السلامة الوطنية او الاستخبارات الداخلية تستطيع(من خلال مركز المعلومات) انتاج كم هائل من التحاليل والدراسات والاستشارات لوضع حلول منطقية وصحيحة واستباقية للامن, فنحن بحاجة الى عقل قادر على التنسيق وخلق حالة من الانسجام بين جميع صنوف جمع المعلومات داخل البلد ورسم سياسات ووضع قوانين وتشريعات تنظم هذا الدور الكبير حتى نصل الى مجتمع استخباري داخلي ليصبح عيناً كاشفة واستباقية تضمن السلامة الوطنية .
فالاولويات تكون من خلال مركز وطني يقوم كمركز للمعلومات و التحليل و التنسيق ورسم السياسات و التدريب, لنستطيع ان نجمع الجهد الاستخباري وننظم المدخلات لتكون لدينا مخرجات حقيقية وصحيحة.
فتكون من المهمات الاستخبارية , هي تحليل المعلومات لتخدم الدراسات الاستراتيجية الخاصة بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والوضع العسكري والامني , لنتمكن من الخروج باستراتيجية تسمى باستراتيجية الامن الوطني,وهو امر مفقود للاسف الشديد , والذي يجعلنا قادرين على المعالجة الناعمة والاسلوب الصامت ,كحلول , قبل التوسل بالامن الصلب والجيوش.
ولاننكر هنا من ان هنالك جهداً كبيراً يبذل حاليا , لكن تنقصه الادارة الصحيحة والاستثمار الصحيح للمعلومات والتوجيه الصحيح ومركزية المعلومات .
فلحد الان نرى ان من يحصل على معلومة يصبح همه كيف يرفعها الى الاعلى بمعنى ان وزيري الداخلية والدفاع ورئيس الوزراء يصبحوا هم مركزاً المعلومات !!!, صحيح ان بعض المعلومات تحتاج الى المعالجة السريعة , لكن الأعم الاغلب يجب انتاجها وتحليلها ووضع الحلول واعداد الدراسات عنها , وأن ترسل كملف متكامل الى القائد وايضا الى الجهة المعنية بالتنفيذ.
ان الاستخبارات الوطنية يجب ان تعمل على مبدأ مهم واستراتيجي يسمى ( الارض وما عليها) , اي معرفة كل شيء عن المجتمع والثروات والامكانيات والحكومة والقدرات,والتهديدات , ولا باس بتطوير مركز البطاقة الوطنية ليتحول الى مركز المعلومات الوطنية .ان تحقيق الامن داخل اقليم الدولة يحتاج الى متابعة ومراقبة وتدقيق وتقصي وعيون تبحث عن موطن الخلل.
وتتخذ الدول اجراءت تتناسب مع التهديدات والمشاكل الاجتماعية والجرائم وتركز عادة على خط بياني يبين ارتفاع وانخفاض الجريمة من خلال المؤسسة القضائية لتبين الحالات المرتفعة وتعمد الى جعل الاولوية للحالات المرتفعة وتضع جهازها الاستخباري ليتبني العمل حسب الخطوط البيانية المرتفعة.
فعندما ترتفع حالات السطو المسلح , تستنفر اجهزة الاستشعار والاستخبارات الداخلية او الوقائية للسيطرة على هذه الجريمة من خلال اذرعها
لكن في الدول المتقدمه تكون العملية معكوسه , فالتحذير والخطر والاستشعار يصل من الاستخبارات قبل وصول المؤشر والاعمال الى القضاء اي انها تعمل على مكافحه الظاهره قبل انتشارها في المجتمع وقبل ان تتحول الى معضلة.
تقوم المؤسسة الاستخبارية بالتحسس على ان المجموعات العاملة في جريمه السطو المسلح بدأت تتهيأ للقيام بذلك , وتتخذ اجراءت رادعه قبل وقوع الجرائم بحق المواطنين , وهنا مكمن العمل الاستخباري اي انه هو المستشعر لا من خلال البيانات والحوادث وما يصل الى الاجهزة القضائية , اي ان من مظاهر ضعف الاستخبارات ان تتحصل النتائج , بينما يكمن دورها الرئيسي في ان ترفد هي الجهات المعنية بالاستشعارات النابعة من تحليلها للمعلومات المتراكمة .
فالاستخبارات هي العين التي يجب ان تكون دوماً مع العدو والمجرم والعصابة والمهرب والمختلس والسارق والارهابي, بينما الامن هو العين الساهرة لحماية الناس من السارق والارهابي والمجرم والقاتل ....
والاستخبارات هي من تكون في خدمه جهاز الامن وتوشر على الخطر والمشكلة مبكراً, وتحذر من التهديد وتخبر عمّن يحاول ان يتجاوز القانون او يخترق المقرات او يضر بالمال العام ,ويتم هذا من خلال شبكة مخبرين واسعة في كل مكان داخل الوطن (موظف , سائق تكسي , عامل فندق , الخ .. ), فاذا قامت الاستحبارات بواجبها الصحيح تتراجع الجرائم ويعم الامن ويتقلص عمل الجهاز الامني.


خلاصة

ان علينا ان نبني سريعاً مركزاً وطنياً مختصاً بالاستخبارات الجنائية الوقائية مهمتها جمع اكبر قدر من المعلومات واتاحتها لكافة الاذرع الامنية والاستخبارية وان تكون مركزاً لتبادل المعلومات الاستخبارية , بالاضافة الى العمل على الادراك الصحيح للمخاطر والتهديدات في البيئة الداخلية, و توفير آليات عمل سليمة وفاعلة, لخلق الانسجام بين اجهزة المعلومات العديدة, و ايجاد بيئة استخبارية سليمة وذكية, و تشخيص المخاطر والتهديدات , و اقتراح الحلول والمعالجات سواء الناعمة منها او الصلبة

 والله الموفق