الدكتور محمد المدهون يكتب: بعد سيف القدس.. تحصين المسار الوطني — شؤون عسكرية وأمنية

الدكتور محمد المدهون يكتب: بعد سيف القدس.. تحصين المسار الوطني

الدكتور-محمد-المدهون-يكتب-بعد-سيف-القدس-تحصين-المسار-الوطني

إن إتمام توقيع اتفاقيات مصالحة في محطات عدة مثَّل مدخلاً مهماً وضرورياً، ولكن للأسف مازال مشروع المصالحة يواجه عقبات جمَّة اختفت أثناء سيف القدس وطفت على السطح بشكل غير وطني وصلت إلى درجة منع الأموال القطرية من الوصول للأسر الفقيرة وتعطيل الإعمار في سلوك عدائي تجاوز الاحتلال وحصاره.

والمطلوب وطنياً أكثر من أي وقت مضى وفي ظل الدمار والآلام والقتل -المضي قدماً في تطبيق برنامج وحدة وطنية على أساس المقاومة والبرنامج الوطني وتدشين حكومة وحدة وطنية مهمتها خدمية فقط على أساس وطني، وعقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير كمدخل لإعادة بناء منظمة التحرير، وأن يقوم المجلس التشريعي بدوره لحين إجراء الانتخابات للوطني التي تشمل الضفة وغزة والشتات ومع آليات واضحة وضمان نزاهة كاملة.

إن لم يتحقق ذلك فمن الضروري الذهاب للخيارات الأخرى ومنها ما لوح به قديما السيد عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيحها، وأعتقد أنه من الملائم جداً بلورة قيادة للشعب الفلسطيني عبر توافق وطني يضم المجموع الفلسطيني مع العمل لتوفير عناصر الثقة الداخلية والعلاقات الخارجية، وهذه القيادة تمثل مجلس قيادة الثورة الفلسطينية المستمرة.


ولعل التحول اللافت في #سيف_القدس تمدد مشروع المقاومة ليشمل جميع الساحات الفلسطينية والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والاستعداد العالي للتضحية والوقوف الكامل إلى جانب المقاومة ومشروعها ومن ذلك شخصيات ومؤسسات وتيارات وطنية، وهذا يستدعي المبادرة لإشراك جميع ألوان الطيف الفلسطيني ليس فصائلياً وحسب بل ومؤسسات وشخصيات ونقابات وقطاعات خاصة وقطاعات أهلية.

وما يصاحب ذلك من انفتاح على جميع قطاعات شعبنا الفلسطيني وتعضيد العلاقات البينية وتمتين مشروع الوحدة والاستمرار فيه، ومن ثم دراسة الملفات الكبرى، ومنها حل السلطة وبناء منظمة التحرير كمرجعية فلسطينية جامعة.

إن ملحمة سيف القدس أكدت حالة التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية رغم المخاض الذي يعيشه الإقليم إلا أنها ليست كافية، ولذا فإنها تحتاج إلى تعزيز من زاوية التعريف والتحشيد ومن ثم الاستثمار عبر حملات تعبويه شعبية توفير التمويل الشعبي الذي مثَّل ركيزة مهمة في بعض المراحل من الصراع.

وكذلك على الصعيد الرسمي فإن الحاجة قائمة لتعضيد العلاقة مع عدد من الدول ومنها دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا بما يمثل رصيداً لصالح القضية، وبالتالي ليس المطلوب الالتجاء لأحلاف نقيض أخرى، ولكن تعضيد عموم العلاقات على أساس من مصلحة الشعب والقضية وأن تكون القضية عامل توحيد وليس عامل استقطاب محاور وتثبيت الاستراتيجية الجامعة " نحن مع الجميع طالما تحققت مصلحة القضية ولسنا جزءاً من أي محور".

ومن ذلك تعزيز العلاقة الضرورية مع مصر والبناء على دورها في الوساطة سواء في سيف القدس أم في صفقة وفاء الأحرار أو اتفاق 2012م. وبالتأكيد فإن من المهم ملاحظة انعكاس ذلك على معبر رفح الذي يعتبر ترمومتر هذه العلاقة بحيث يكون مفتوحاً لجميع الناس في كل الأوقات مع معاملة تليق بوشائج الأخوة والجيرة الحسنة والمصير المشترك، وأن يتطور إلى معبر تجاري ليس كبديل وإنما إسناد لتلبية حاجات أهلنا في غزة.

والعلاقات الخارجية لا تعني التعامل الرسمي فقط بل تنفتح شعبياً ورسمياً على المحيط الخارجي، وكذلك من المهم فتح قنوات وتعضيد علاقات مع أحزاب وحركات ومؤسسات وشخصيات عالمية لأن غزة بعد سيف القدس مثلت مركزية تضامن عالمي ونقطة استقطاب رئيسة.


وهذا يستدعي استمرار حالة التضامن مع غزة بأشكال وطرائق متعددة، وهنا تجدر الإشارة وبالتفاهم مع مصر إلى أهمية تجديد قوافل ووفود التضامن مع غزة للمساهمة بتوظيف حالة التعاطف العالمي اليوم. وهنا لا بد أن يبرز دور للسفارات والممثليات والقناصل الفلسطينية التي بهت صوتها إلى درجة التشكيك أنها في معظمها تعمل ضد القضية. وبالتأكيد فإن هذا التضامن يعتبر مدخلاً رئيساً لمحاكمة مجرمي العدوان.

بعد أشهر خمس من ملحمة سيف القدس التي لها ما بعدها، فإن عملية الاستثمار لنتائجها وتداعياتها بيت القصيد الذي يجب أن يراهن عليه الشعب الفلسطيني سياسياً وميدانياً وعمرانياً وقانونياً، وهذا يحتاج مزيد جهد ووضوح رؤية تترجم دماء طاهرة وجراحاً نازفة وأشلاء ممزقة وآلاماً مبرحة وبيوتاً مدمرة وتشريداً مؤلماً إلى معطيات ووقائع تصنع غداً فلسطينياً متوهجاً لا ينطفئ