لم يأتي تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس من فراغ أو نتيجة عاطفية أو حماسية غلبت على رجالاتها الذين شرعوا بتأسيسها وحملوا رايتها، إنما انطلقوا بها من الواجب الشرعي والوطني، بل كان قرار حكيما من قيادات عاشت حياتها تخطط لهذه الانطلاقة العظيمة، قرارا عقليا منطقيا مستندا الى أسس سليمة وقواعد صلبة متينة وشعب قوى مستعد للفداء ولتحمل المخاطر، لقد كانت انطلاقة حركة المقاومة الاسلامية حماس نتاج جهاد طويل ونضال كبير، فكان يوم 14/12 يوماً فارقاً في مسيرة الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال الصهيوني، حيث اعتبرت انطلاقة حماس خطوة جديدة وتطور نوعي، سبقه عمل دؤوب وجهد طويل من التأسيس دام عشرات السنين خاضته الحركة الإسلامية في فلسطين منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى انطلاقة "حماس"، التي ركزت عملها داخل أرض فلسطين لنشر الثقافة الإسلامية، وإشاعة السلم الاجتماعي، وكنس الاحتلال الصهيوني، الذي كان سبباً في كل المصائب التي لحقت بالشعب والقضية.
لقد شهد الثامن من كانون اول 1987 انطلاق الانتفاضة الأولى، والتي تزامن معها الانطلاق الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وقد جاءت الانتفاضة والانطلاقة للتعبير عن رفض الاحتلال الغاشم والسعي للخلاص من ظلمه وجبروته
حرصت حماس من خلال مسيرتها على وحدة العمل المقاوم في فلسطين والتنسيق مع كافة الفصائل المقاومة لأنها تدرك أن وحدة الفصائل وجمع كلمتها هو من يقرب أو يعجل النصر وتحقيق الإنجازات، والفرقة تذهب القوة وتزيد من عمر الاحتلال، وعملت حماس على تقريب وجهات النظر على الصعيد السياسي والعسكري، وتعاملت في جميع مراحلها مع المتغيرات بحكمة بالغة، ونظرة ثاقبة، تميل إلى المصلحة الكبرى التي لا ينظر إليها التحزب المقيت.
34 عاماً منذ انطلاقة حماس لم تدع وسيلة مشروعة إلا واستخدمتها في مقاومتها ضد الاحتلال الصهيوني من كمائن واشتباكات عماد عقل وعبوات العياش وقنص وقصف مواقع ومستوطنات العدو بكافة أنواع المقذوفات، وعمليات الاقتحام ونقطة صفر والابرار البحري في زكيم، فكانت حصيلة هذا الجهد والبذل والعطاء أن يكون ثمنه ألاف الشهداء والجرحى والمعتقلين والمطاردين.
34 عاماً انقضت من مقاومة المحتل الصهيوني؛ معارك وحروب عمليات كرٌ وفر واجه فيها أبطال القسام بصدورهم العارية وما امتلكوه من سلاح وقدرات جيش الاحتلال الصهيوني بعدته وعتاده وتكنولوجياته، بل وواجهت مؤامرات ودسائس، واجهتها بقوة وعزيمة، وأثبتت فيها شجاعة وبطولة، فاستعاضت عن ضعف سلاحها بقوة عقيدة رجالها، وعن قلة زادهم بكثرة المؤيدين لهم، وعن قلة عتادهم العسكري بكبر إيمانهم.
34 عاماً طورت حماس قدراتها العسكرية، وانتقلت من الحجر والسكين الى البندقية والعبوة إلى ان أصبح لديها اليوم قوات عسكرية ووحدات نخبة، ومقاتلون بحريون وبريون، وأسلحة متطورة كالطائرات المسيّرة المتفجرة، وصواريخها تصل العمق الصهيوني وباتت قوة فاعلة ومؤثرة، وخصماً حقيقياً للاحتلال الصهيوني في الحروب والمعارك على غزة، امتازت حماس وكتائبها بتماسك بنيانها التنظيمي، ورؤيتها المتزنة، وثقل فعالياتها على الأرض، مما حفر لها مكانة بقلوب الفلسطينيين، وبوّأها موقعاً ريادياً في حقل العمل المقاوم، وجعل منها لب المعادلة الكفاحية في السعي نحو التحرر والاستقلال.
منذ انطلاقتها تواصل حماس جهدها العسكري ضد الاحتلال الصهيوني مع رؤية سياسية متكاملة ومنهج تربوي حازم واعلام متوازن فكانت أنموذج المقاومة الفلسطينية وما يجب ان تكون عليه صورة المقاومة في فلسطين وهكذا فهم المحتل منذ انطلاقتها حماس فتململت قيادته وحار في أمره.
اثبتت الاحداث بما لا يدع مجالاً للشك أن حماس رقم صعب في كل المعدلات ومقاومتها الثابت في كل المتغيرات والصوت الأقوى في زمن أصم، كيف لا وهي التي فاجأت كل التوقعات وقلبت طاولة المؤامرات على رؤوس أصحابها الذين يحاولون بيع فلسطين بثمن بخس ولم ترضخ لمغريات صفقة القرن وغيرها من صفقات.
34 عاماً لم تكن سهلة في ميزان الصراع بين المقاومة والاحتلال، لكنها على الرغم من الصعاب والشدائد، كانت كفيلة بإثبات نجاح حماس وقدرتها على الاستمرار، وكلنا يعلم كم حاول الاحتلال أن يثنيها عن جهادها ومقاومتها ويشغلها بغيره أو يخيفها بتهديد واغتيال، لكنه فشل ولم يسكت صوت رصاصها وصواريخها في الميدان، فحماس ماضية في جهادها حتى يتحقق هدفها الذي انطلقت من اجله تحرير فلسطين من الاحتلال وطغيانه، ونيل حرية شعبنا واستقلاله.