أحمد عبدالقادر يحيى يكتب: لماذا عينت تل أبيب "هليفي" رئيساً للأركان؟ — شؤون عسكرية وأمنية

أحمد عبدالقادر يحيى يكتب: لماذا عينت تل أبيب "هليفي" رئيساً للأركان؟

أحمد-عبدالقادر-يحيى-يكتب-لماذا-عينت-تل أبيب-هليفي-رئيساً-للأركان

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس، يوم 4 سبتمبر 2022، تعيين نائب رئيس الأركان الحالي “هرتسي هليفي” ليصبح الرئيس الـ(23) لهيئة الأركان الإسرائيلية. وجاء تعيين “هليفي” خلفاً لأفيف كوخافي الذي تنتهي ولايته في يناير 2023. وقد جاء الاستقرار على “هليفي” بعد تداول أسماء شخصيات عسكرية بارزة لشغل المنصب، منها إيال زمير المقرب من زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، ويوئيل ستريك. ومن المُفترض أن يُرسل وزير الدفاع الإسرائيلي خلال الأسبوع القادم اسم “هليفي” إلى اللجنة الاستشارية للتعيينات في المناصب العليا من أجل الموافقة عليه. يأتي هذا فيما هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد “هليفي”، معتبراً أنه “ضابط مميز يتمتع بثروة من الخبرة والمهارات، وسيقود الجيش الإسرائيلي إلى العديد من الإنجازات المهمة”.

دلالات مختلفة

على الرغم من أن “هليفي” يحمل شهادة البكالوريوس في الفلسفة وإدارة الأعمال من الجامعة العبرية، تقلَّد العديد من المناصب العسكرية البارزة، لعل أبرزها منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” في الفترة بين 2014 و2018. كما عُيِّن عام 2021 في منصب نائب رئيس الأركان، ومن المشهور عنه القول بأن “السلام هو زمن الاستعداد للحرب”، وبوجه عام فإن ثمة دلالات لتعيين “هليفي” رئيساً لأركان الجيش الإسرائيلي، يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- محاولة إبعاد الجيش عن التجاذبات السياسية: تُعاني إسرائيل من انقسامات وتوترات داخلية حادة، انعكست بوضوح على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو ما تجلى في فشل الأحزاب والنخب السياسية في تشكيل حكومة مستقرة تحظى بثقة الشارع الإسرائيلي، بالرغم من إجراء أربع جولات انتخابية في أقل من أربع سنوات، والاستعداد لجولة انتخابية جديدة في نوفمبر القادم. كما تتسبب الجولات الانتخابية المتتالية وتراجُع الثقة بين النخب السياسية في إسرائيل في تأجيج حالة الاستقطاب، لا سيما مع تزايُد قوة ونفوذ الجماعات اليمينية المتطرفة.

ومن ثم فإن تعيين “هليفي” في منصب قيادة الأركان ربما يأتي مُحاوَلةً لإبعاد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عن الاستقطابات السياسية الحادة في إسرائيل؛ حيث من المعروف في الأوساط الإسرائيلية أن “هليفي” يتعمد النأي عن المناصب التي يُمكن أن تكون مرتبطة بالسياسة، ويفضل الانخراط بقدر أكبر في المسار العسكري، ولعل هذا ما دفعه في السابق إلى رفض عروض “نتنياهو” المتتالية لشغل منصب رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية “الموساد” خلفاً ليوسي كوهين، أو العمل سكرتيراً عسكرياً لرئيس الوزراء حينها بنيامين نتنياهو.

جدير بالذكر أن “هليفي” كان قد أعرب مراراً عن قلقه من تفكك المجتمع الإسرائيلي بفعل التجاذبات السياسية الداخلية؛ حيث صرح في عام 2016، حينما كان يشغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” بأنه “قلق جداً بشأن ترابطنا كوحدة مجتمعية واحدة. ما مدى ترابطنا اليوم؟ وأي ترابط سيكون لنا بعد عقد من الزمان؟”. ويُشار في هذا الصدد إلى أن “هليفي” يشتهر في الداخل الإسرائيلي وفي الأوساط الإعلامية بلقب “الجنرال الفيلسوف”.

2- استمرار التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة: على الرغم من الهدوء الحذر الذي يُخيم على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة في الوقت الحالي، فإن “الهدنة الهشة” الحالية قد لا تستمر طويلاً، لا سيما مع تزايُد التوترات على نحو غير مسبوق في الضفة الغربية. ومن ثم، فإن القيادة الإسرائيلية ربما ارتأت أن تعيين “هليفي” قائداً للأركان يبعث رسالة إلى الفصائل الفلسطينية مفادها أن تل أبيب عازمة على الاستمرار في سياسة “التشدد والتصعيد” ضد القطاع، خاصة أن “هليفي” لديه الكثير من الخبرات بشأن القطاع؛ فقد ترأس في السابق قيادة الجبهة الجنوبية، وشارك في العديد من المعارك في قطاع غزة؛ حيث تمَّت ترقيته بعد حرب غزة 2014 إلى رتبة لواء، وتم تعيينه رئيساً لشعبه الاستخبارات العسكرية “أمان”.

جدير بالذكر أن “هليفي” كان قد أبدى في وقت سابق تشاؤمه بشأن جهود التسوية وفرص إنهاء التصعيد في غزة؛ ففي تصريحات له حينما شغل منصب قائد المنطقة الجنوبية، قال: “لا نرى هدوءًا مطلقاً في العقود القادمة، أو أطول من ذلك، إن كان بإمكاني المخاطرة بتقييم على المدى الطويل”. ووفقاً لرؤية “هليفي” فإن الفصائل الفلسطينية تستمر في بناء قدراتها، وهو ما يجب وقفه، بل إن “هليفي” يذهب إلى أبعد من ذلك؛ حيث صرح في وقت سابق بأن مشاريع التنمية الاقتصادية في القطاع تؤدي إلى تنمية “القدرات الإرهابية” على حد وصفه نصاً.

3- تكثيف التعاون العسكري مع واشنطن ضد طهران: من المتصور أن يُعزز تعيين “هليفي” رئيساً للأركان التعاون والتنسيق العسكري المتبادل بين واشنطن وتل أبيب بشأن الأنشطة الإيرانية؛ فبالرغم من استمرار المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإن تل أبيب أعلنت مراراً معارضتها إياه، وأنها “غير مُلزمة” به. ووفقاً للرؤية الإسرائيلية، فإن هذه “المعارضة” ربما تُكسِبها الشرعية للاستمرار في عملياتها العسكرية السرية داخل إيران، التي تصاعدت خلال السنوات الأخيرة. وهذا المستوى من العمليات قد لا يحظى بمعارضة واشنطن من أجل الضغط على طهران من جانب، وإرضاءً لتل أبيب وتيار الصقور في واشنطن من جانب آخر. جدير بالذكر أن وفداً عسكرياً إسرائيلياً رفيع المستوى بقيادة “هليفي”، حينما كان نائباً لرئيس الأركان، أجرى مباحثات أمنية في الولايات المتحدة في مارس الماضي بعد أن أطلقت طهران صواريخ على ما ادعت أنه “مركز استراتيجي” إسرائيلي في كردستان العراق، وهو ما يُرجِّح تكثيف هذا النوع من التنسيق خلال الفترة القادمة.

4- استهداف متواصل للتموضع الإيراني في المنطقة: لعل الرسالة الأبرز التي يحملها تعيين “هليفي” في هذا المنصب، هو أن الضربات الإسرائيلية ضد المراكز العسكرية المحسوبة على طهران في المنطقة سوف تتصاعد خلال المرحلة القادمة. ويُشار في هذا الصدد إلى أن “هليفي” كان قد أكد في عام 2017، حينما كان يشغل منصب رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، أن “إيران وحزب الله والنظام السوري هم التهديد الأساسي للمنطقة، وهم التهديد المركزي لإسرائيل كذلك، وأن إشكالية إيران لا تكمن في قدراتها النووية فقط، بل لأنها موجودة في العراق وسوريا واليمن”. ومن ثم فإن من المتصور أن تستمر الضربات الإسرائيلية ضد المصالح والميليشيات المحسوبة على طهران في سوريا وربما العراق، وقد تمتد إلى اليمن خلال المرحلة القادمة؛ حيث أشار “هليفي” في تصريحات سابقة إلى أن طهران أقامت مصانع لصناعة الأسلحة الموجهة في العراق واليمن.

5- الاستعداد لأي تصعيد محتمل ضد حزب الله: تشهد الجبهة الشمالية لإسرائيل توتراً ملحوظاً مع حزب الله اللبناني؛ بسبب المساعي الإسرائيلية لاستخراج الغاز من حقل “كاريش”، وتهديدات حزب الله بمنع ذلك؛ الأمر الذي لا يُستبعد معه اشتعال الأوضاع مجدداً في الشمال. وسبق لـ”هليفي” أن اتهم حزب الله بتجهيز بنية تحتية عسكرية تقوم على القدرات الإيرانية وبنصبها قرب الحدود مع إسرائيل، معتبراً أن مشروع الصواريخ الدقيقة لدى الحزب يُمثل التهديد الرئيسي في لبنان. ومن ثم فإن تعيين “هليفي” رئيساً للأركان يؤشر إلى استعداد تل أبيب لتصعيد مُحتمل ضد حزب الله، لا سيما أن “هليفي” سبق أن تم تعيينه قائداً لقسم 91 “الجليل” المسؤول عن الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا ولبنان، كما شارك في عملية “اللدغة السامة” التي تم فيها اختطاف القيادي في حزب الله مصطفى الديراني.

عمليات استباقية

ختاماً.. يأتي تعيين “هرتسي هليفي” رئيساً لهيئة الأركان الإسرائيلية في وقت تزداد فيه التوترات الداخلية في إسرائيل مع الاستعداد لجولة انتخابية جديدة، واقتراب المفاوضات النووية مع إيران من مراحل حاسمة، وسط معارضة إسرائيلية مستمرة، بالإضافة إلى تصاعُد الضربات الإسرائيلية ضد المصالح الإيرانية في سوريا، وتزايُد احتمالات اشتعال الأوضاع مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة أو مع حزب الله في الشمال. وتشير كل هذه المعطيات إلى أن المرحلة القادمة قد تشهد المزيد من العمليات الإسرائيلية الاستباقية ضد البنى التحتية لإيران ووكلائها في المنطقة، أو من يعتبرهم “هليفي” مصدر التهديد الرئيسي لتل أبيب، مع إيلاء المعلومات الاستخبارية الدقيقة أهمية أكبر لتوفير بنك أهداف يُمكن التعامل معه بضربات قوية وخاطفة.


المصدر:  إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية