كيف تحمي الدول هواتف كبار مسؤوليها من التجسس؟ — شؤون عسكرية وأمنية

كيف تحمي الدول هواتف كبار مسؤوليها من التجسس؟

كيف-تحمي-الدول-هواتف-كبار-مسؤوليها-من-التجسس؟

 كشفت منظَّمة “فوربيدن ستوريز” غير الحكومية، ومعها منصات إعلامية أخرى مشاركة في تحقيق تسريبات نظام التجسس الرقمي “بيغاسوس”، يوم الثلاثاء 20 يوليو/تموز الجاري، عن ورود أرقام هواتف عدد من قادة الدول ومسؤوليها الحكوميين رفيعي المستوى، إذ أشارت إلى أن البيانات المسرَّبة إليها تضمنت أرقام عشرة رؤساء وزارة، وثلاثة رؤساء دول، ووملك هو العاهل المغربي محمد السادس، وردوا كأهداف محتملة لنظام التجسس المطوَّر إسرائيلياً، مما يعيد إلى الواجهة هاجس الحماية الرقمية لأصحاب المناصب الرفيعة، وأي إجراءات ستتخدها الحكومات من أجل تعزيزها.

ضمّت لائحة كبار المسؤولين المستهدفين ببرنامج التجسس بيغاسوس، التي كشفت عنها تقارير “فوربيدن ستوريز” ووسائل الإعلام المشتركة معها في التحقيق، أربعة عشر مسؤولًا بين رؤساء ورؤساء وزارة وملك، منهم الرئيس العراقي برهم صالح ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، وكذلك ملك المغرب محمد السادس وأفراد من عائلته.

فيما بلغ رؤساء الوزارة عشرة، ثلاثة منهم لا يزالون في مناصبهم، والحديث هنا عن كل من رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي ونظيره المغربي سعد الدين العثماني والباكستاني عمران خان، أما السبعة الباقون فرؤساء وزارة سابقون، بينهم ثلاثة عرب وهم اللبناني سعد الحريري والجزائري نور الدين بدوي واليمني أحمد عبيد بن دغر، إضافة إلى الفرنسي إدوارد فيليب والكازاخي باكيتشان ساجينتاييف والأوغندي روهاكانا روغوندا ورئيس الوزراء البلجيكي السابق شارل ميشيل الذي يشغل حالياً منصب رئيس المجلس الأوروبي.

وفي تفاعلٍ مع هذه الأنباء، أدان متحدّث باسم رئاسة الوزراء الباكستانية ما حصل، مشدداً على أن بلاده “تتابع الوضع ببالغ الاهتمام”، كما أنها عازمة على التوجه إلى الأمم المتحدة طلباً “لإجراء تحقيق دولي في ملابسات عملية التجسس التي تعرَّض لها عدد من المسؤولين والحقوقيين والصحفيين حول العالم، ضمنهم رئيس الوزراء عمران خان”. وعبَّرت عنها الحكومة الجنوب إفريقية، مؤكدة امتعاضها وإدانتها ما حدث، معتبرة الأمر “ليس فقط تطاولًا على خصوصية الرئيس، بل على سيادة البلاد بأسرها”.

ومن ناحية تعزيز الإجراءات الأمنية لحماية خصوصية هؤلاء القادة، تبقى فرنسا الوحيدة حتى كتابة هذه السطور، التي كشفت عن إجراءات تقنية لتأمين مسؤوليها المستهدفين ببرنامج بيغاسوس، بالموازاة مع فتح تحقيق جنائي لتحديد مدى صحة الواقعة وكشف ملابساتها.

الإجراءات الفرنسية

دعا الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الخميس مجلس دفاعه إلى اجتماع نوقشت خلاله مستجدات احتمالية تعرُّضه للاختراق والتهديدات الرقمية التي يواجهها الرئيس، فيما كانت مخرجاته تعديل إجراءات الأمن الرقمي للرئيس، وتشديد التحصينات السيبرانية لأجهزته من أي اختراقات محتمَلة.

من ضمن هذه اللإجراءات كان تغيير واحد من هواتف ماكرون النقالة، حسبما كشف الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية غابرييل آتال، قائلًا: “لقد حصل على أرقام هواتف جديدة، مع أن هذا لا يؤكد أنه تَعرَّض فعلًا للتجسس، بل هي احتياطات أمن إضافية”، مشدداً على أنه “بطبيعة الحال نحن نأخذ المستجدات الأخيرة على محمل الجدّ”. في المقابل كشفت وسائل إعلام فرنسية أن الرئيس يمتلك أربعة هواتف نقالة: “اثنان من ماركة Iphone، واحد من Samsung، والرابع من طراز Teorem العالية التأمين المخصصة للرؤساء”, وتضيف ذات المصادر أن الهاتف المرجح تغييره هو “واحد من هاتفَي Iphone” بما أنهما الأكثر عرضة لاختراق برنامج بيغاسوس.

كما أفادت نفس وسائل الإعلام الفرنسية باتخاذ إجراءات أمن أخرى مشدَّدة، ناقلة على لسان متحدث من داخل الإيليزيه أن “الوكالة الدولية لحماية الأنظمة المعلوماتية طرحت على الأشخاص المحتمَل تعرُّضهم لاختراق بيغاسوس بروتوكولًا مشدداً للمرافقة الأمنية”، وهذا ما طلبه الرئيس ماكرون، أي “تدعيم الإجراءات الأمنية موازاة مع كل العملية التقنية المستمرة للتحقيق وكشف حقيقة ما حصل” حسب المتحدِّث.

اختراق بـ”صفر نقرة”

ويعود فضح القضية إلى بداية الأسبوع الجاري، يوم الأحد 18 يوليو/تموز، إذ كشفت منظَّمة “فوربيدن ستوريز” الصحافية عن بيانات توصَّلت إليها بشأن استخدام عدد من الدول لنظام بيغاسوس، الذي طورته شركة NSO الإسرائيلية، بغرض التجسس على أهداف محتملة تَعدَّى عددها 50 ألف رقم هاتف، ضمنهم صحفيون ونشطاء حقوقيون وشخصيات سياسية وعسكرية، بل وقادة دول منهم الرئيس ماكرون، والعائلة الملكية المغربية، حسبما أوردت وسائل الإعلام المشتغلة على التحقيق.

ويعد بيغاسوس أحد أقوى منظومات التجسس الرقمية وأخطرها، لكونه يستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام التشغيل iOS، كما أن منه نسخة لأجهزة أندرويد، لكن تبقى شركة آبل الأكثر تضرراً منه، إذ يستهدف أنظمة تشغيل تلك الهواتف، ويُحكِم قبضته عليها عند اكتمال عملية الاختراق، فيتحكم بمايكروفون وكاميرا الهاتف، كما يتمكن من الدخول وجمع كل البيانات التي يحملها الهاتف، ويمكنه تحديد موقعه والتنصت على كل محادثات صاحبه. فيما اكتُشف أول مرة سنة 2016، بعد محاولة فاشلة لتنصيبه على هاتف آيفون لناشط حقوقي إماراتي من خلال رابط مشبوه في رسالة نصية، إذ كشف التحقيق تفاصيل عن البرنامج وإمكانياته، والثغرات الأمنية التي يستغلها.

والنسخة التي كشفت عنها التسريبات الأخيرة لـ”فوربيدن ستوريز” أشد فتكًا من سابقتها، إذ لا تعتمد على طريقة الاختراق عبر رسائل أو اتصالات مشبوهة، بل دون حتى نقر على أي رابط، في تقنية طوَّرتها NSO تحت عنوان “صفر نقرة”، إذ تُستغل الثغرات في أنظمة التشغيل لعملية الاختراق دون حتى أن يتفاعل صاحب الجهاز مع النظام، وهذا بالضبط ما يجعل خطورة بيغاسوس عالية ويجعله صعب الرصد والاكتشاف، والحماية منه شبه مستحيلة بالوسائل التقنية التقليدية لحماية البيانات، كتشفير الرسائل، واستعمال أنظمة VPN لحجب أو تغيير عنوان الربط (IP)، والحذر من الاتصالات والرسائل والروابط المشبوهة…