د. محمد إبراهيم المدهون يكتب : وفاء الأحرار للأحرار — شؤون عسكرية وأمنية

د. محمد إبراهيم المدهون يكتب : وفاء الأحرار للأحرار

د-محمد-إبراهيم-المدهون-يكتب-وفاء-الأحرار-للأحرار

لم تنعدم محاولات التجاوب مع قضية الأسرى من الشعب الفلسطيني بكافة توجهاته وتنوعت هذه المحاولات وتعددت حيث الاعتصامات والاضرابات.. والمسيرات إضافة إلى محاولات العمل الثوري لإطلاق سراح الأسرى حيث نجحت بامتياز صفقة أحمد جبريل, وقد أجادت حماس كذلك تجسيد هذا الدور، والاندفاع بحرارة سابقاً في أدائه ربما لوجود طليعة قيادية مثقفة من قيادات وكوادر الحركة خلف جدار النسيان في ذلك الوقت وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين عليه رحمه الله 


 مما شكل باعث قلق كبير ودفع هذه الحركة مراراً محاولة الإفراج عن الأسرى عبر عمليات عسكرية منها خطف الشرطي الإسرائيلي نسيم توليدانو وطلب الإفراج عن الشيخ ياسين مقابل إطلاق سراحه، وكذلك محاولة خطف الباص رقم (25) قرب التلة الفرنسية في القدس حيث استشهد على إثرها ماهر سرور ومحمد الهندي وهما عضوان في خلايا عز الدين القسام وإصابة العضو الثالث صلاح عثمان (الذي رحل مؤخرا).. ومحاولة الحركة المساومة على جثة الجندي ايلان سعدون الذي اختطف عام 1988م ولم تعثر الحكومة الإسرائيلية على جثته، وخطف الجندي ناخشون فاكسمان والمطالبة بالإفراج عن الشيخ ياسين وشحادة وديراني وعبيد ومجموعة من معتقلي كافة الاتجاهات الفلسطينية..


 وقد تم هذا الحدث بعد أن كاد غبار النسيان يعلو قضية الأسرى الفلسطينيين ولم يعُد التفاوض السياسي محققاً للأهداف، ثم جاء الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين بعد محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان والإفراج عن ستين معتقلاً لبنانياً نظير جثة جندي إسرائيلي ولكن بقيت قضية الأسرى مشتعلة.


 ثم كانت صفقة الإفراج عن الأسرى اللبنانيين بطريق القوة لترسخ رسالة جديدة في الوجدان الفلسطيني مفادها أن الأسرى لن يخرجوا دون توفر ضغط قوي على حكومة إسرائيل مما ينذر بتفاقم هده المعضلة وإبقائها الفتيل الذي قد يفجر كل شيء. واليوم ذكرى عقد من الزمن على صفقة تاريخية للإفراج عن شريحة هامة من الأسرى وذلك عبر إدارة صلبة حكيمة ملف شاليط الذي مضى على أسره خمس سنوات ونصف تقريباً ورضخ الإحتلال أخيراً لشروط المقاومة بنسبة تصل إلى (95%) من شروط الصفقة التي تم إطلاقها في اللحظة الأولى لأسر شاليط.
 

صفقة الوفاء للأحرار نموذج مميز لحدث تاريخي فائق الروعة ولحظة إستراتيجية فارقة حيث تسطر ملحمة عز ووفاء وشموخ فمنذ تبديد الوهم في يونيو 2006م إلى لحظتها التاريخية المضيئة تم رصد محطات هامة لعل أهمها ترسيخ برنامج المقاومة وتأكيد جدواها, وهذا الإنجاز الأمني غير المسبوق في العصر الحديث في الأسر والحفاظ على شاليط هذه الفترة الطويلة, علاوة على تحقق ذلك لأول مرة على ارض فلسطينية, مع تضحية فلسطينية عالية فأكثر من ثلاثة آلاف شهيد فلسطيني في قطاع غزة فقط منذ أسر شاليط ورغم ذلك ما تراجع الشعب الفلسطيني عن أي من مطالبه, مع حنكة تفاوضية عالية وصبر طويل حتى خضع الجلاد.

 صفقة الوفاء حملت (1027) أسير إلى أهلهم من شتى الأراضي الفلسطينية ومنها القدس وعرب (48) والجولان علاوة على الضفة الغربية وقطاع غزة, كما شملت أسرى من كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني تجسيداً لروح وحدة وطنية تقوم على أساس من الإيثار وتقدم فيه حماس نموذجاً في العمل الوطني الصادق, مع تبييض السجون من النساء والأطفال. 


نعم ربما بعض رموز المقاومة الذين اعتقلوا في انتفاضة الأقصى ومنهم حسن سلامة و عبدالله ومروان البرغوثي وأحمد سعدات وإبراهيم حامد وعباس السيد لن يطلق سراحهم ولكن في المقابل عدد كبير من الرموز الذين اعتقلوا قبل العام 2000م ومنهم يحيي  السنوار وروحي مشتهى وعشرات آخرين على رأس المفرج عنهم. وفق الصفقة خرج (450) أسير و(27) أسيرة منهم (300) محكوم مؤبد منهم (131) من غزة وخرج إليها (111) من الضفة  أطلق  سراحهم في غزة و (40) من الضفة إلى الخارج والباقي يخرج إلى الضفة علاوة على الإفراج عن (45) من القدس جلهم سيعود إلى القدس بالإضافة إلى العدد الرمزي القليل من عرب (48) وكذلك الأسير من الجولان وهذا السيناريو سيتكرر قريباً بإذن الله تعالى بعد أن زادت غلَّة أسرى الإحتلال لدى المقاومة مما يبشرنا بتبييض السجون بشكل كامل.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}